أحمد عبدالمعطى حجازى

خبر لم يفاجئنى!

الخميس، 07 مايو 2009 09:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فاجأنى كما فاجأ غيرى، ذلك الخبر الذى نشرته بعض الصحف عن مشروع قانون مشبوه تسعى جماعات الإسلام السياسى فى مجلس الشعب لاستصداره، وفيه يعتبر أبناء الديانة البهائية كفاراً مخربين، لا حق لهم فى أن يعتقدوا ما يعتقدون، ولا أن يمارسوا ما يمارسون من شعائر، وإلا فهم خارجون على القانون، يستحقون العقوبات التى سينص عليها، هذا الخبر لم يفاجئنى ما عبر عنه من تطرف نعرفه فى هذه الجماعات، وتجاهل للمشكلات الحقيقية المزمنة التى نعانى منها جميعاً، ونستطيع مواجهتها والوصول إلى حلول فعالة لها، لأنها تتعلق بضرورات الحياة التى لا نستغنى عنها، كأن نوفر لأجيالنا الجديدة تعليماً جاداً، وتربية وطنية سليمة، ونشيع فى بلادنا المتحضرة المتخلفة ثقافة العصور الحديثة التى تحيى شعورنا بالانتماء لمصر، وترسخ احترامنا للعقل، وإيماننا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ونجدد اقتصادنا، وننميه بأحدث الأدوات وأفضل الأساليب التى تمكننا من رسم الخطط، وإعداد الخبراء، وتعبئة الجهود والتنسيق بينها، واستغلال الثروات البشرية والطبيعية، وتشديد الرقابة الشعبية والحكومية، ومكافحة الفساد والكسل والأنانية والعشوائية.

أقول لم يفاجئنى ما عبر عنه الخبر المنشور فى الصحف، من تشدد وتطرف وتجاهل لهذه المشكلات التى لم تظهر الديمقراطية، ولم تتشكل المجالس النيابية إلا لتنبه لها، وتبحث عن حلول ناجحة تريح الناس منها، وإنما فاجأنى توقيته والأهداف المشبوهة التى قصد إليها من طرحوه فى هذا المناخ المحموم المسموم المعبأ بالكراهية، وضيق الصدر، ومطاردة الفكر الحر، والعجز عن الوفاء بمطالب العيش الكريم، واللجوء الدائم لطلب الفتوى الدينية فى مسائل لا يدرك مداها إلا صاحبها، ولم يطرح معظمها على الذين عاشوا فى العصور الماضية، واستعمال الدين حجة للتخلص من المسئولية، وغطاء للتنفيس عن الانفعالات المكتومة، والبحث عن قرابين تقدم للهواجس والمخاوف وسوء الظن واليأس من الدنيا وما فيها ومن فيها.

فى هذا المناخ الملتهب فاجأنى أن يفكر هؤلاء النواب فى استصدار هذا القانون الذى اعتبر التفكير فى استصداره، والإعلان عنه، إشعالاً للفتنة، وتحريضاً على القتل، وجريمة فى حق الدستور الذى تنص مواده على أن حرية العقيدة حق لكل مصرى ومصرية، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.

ولقد قرأنا قبل أسابيع قليلة، الأخبار التى تحدثت عن الحرائق التى أشعلها شبان متعصبون مضللون فى دور جيرانهم البهائيين فى إحدى قرى الصعيد، وها نحن نرى أن بعض الذين اختارهم المصريون لتمثيلهم فى مجلس الشعب، والتحدث بلسانهم، والدفاع عن حقوقهم المعنوية والمادية لا يمثلون فى الحقيقة إلا هؤلاء المتطرفين الذين أشعلوا النار فى بيوت جيرانهم ومواطنيهم، لا لسبب إلا أن هؤلاء الجيران المواطنين لهم دين ولغيرهم دين.

فإذا كان بوسعنا أن نعتبر الجناة الذين أشعلوا النار فى دور البهائيين ضحايا، لأنهم شباب أنصاف أميين لم يحصّلوا علماً.. رغم أنهم طلاب فى الجامعة! - ولم ينخرطوا فى حياة سياسية يتعلمون فيها معنى الوطنية، والديمقراطية، وحق الإنسان فى أن يفكر كما يشاء، ويؤمن بما يشاء - إذا كان بوسعنا أن نعتبر هؤلاء الشباب ضحايا، فليس بوسعنا إلا أن نعتبر النواب الداعين لعدم الاعتراف بالبهائيين ،واتهامهم بالكفر والزندقة وفساد العقيدة، إلا محرضين على اشعال الحرائق، والعدوان على الحريات، واضطهاد المخالفين من أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، وإجبارهم على الرحيل.

لقد هاج طلاب القرية وارتكبوا جريمتهم النكراء، فلم يستنكر نواب الشعب هذه الجريمة، ولم يدافعوا عن حق البهائيين وغير البهائيين من المصريين فى الأمن، وحقهم فى الاعتقاد، وإنما سعوا لاستصدار قانون يحرم البهائيين من التمتع بهذه الحقوق.

النواب المحترمون اتخذوا طلاب القرية الأميين المتعصبين، أمثلة يقلدونها وأدلة يسيرون وراءها فى طريق التعصب والتطرف، بل إن جناية هؤلاء النواب المحترمين أشد وأنكى، فقد أشعل الطلاب الجهلاء النار فى عدة بيوت فى القرية، والنواب المحترمون يريدون أن يشعلوا النار فى مصر كلها، لأنهم لا يختلفون مع البهائيين وحدهم، ولا مع المسيحيين فحسب، بل يختلفون مع الجميع، ويعادون كل من يرفض وصايتهم، ويكشف حقيقتهم للناس، ويحذرهم من المصير المظلم المجهول الذى يمكن أن يسوقوا المصريين إليه، لو نجحوا فى الاستيلاء على السلطة.

إنهم يتزلفون للجمهور البسيط، ويدغدغون العواطف الدينية حتى ينام العقل المصرى الذى يغط فى نومه منذ سنوات عديدة، عندئذ يثبون إلى السلطة، فلا يستطيع أحد بعد ذلك أن ينزلهم عنها، إلا بالدماء التى ستتفجر أنهاراً.

إنهم يضحون اليوم بالبهائيين، وغداً بغيرهم ليهيجوا الناس، ويوهموهم أن المشكلة تتمثل فى وجود هؤلاء المخالفين، وأن القضاء عليهم سيكون إيذاناً بعصور من الرخاء والثراء والقوة والمنعة، يتقلب فيها المصريون الذين أصبحوا يتوهمون أكثر مما يفكرون، ويحلمون أكثر مما يعملون، ويتساقطون أكثر مما يتوقفون، ليراجعوا أنفسهم ويصححوا أخطاءهم.

دغدغة العواطف الدينية، هى الطعم الذى تضعه جماعات الإسلام السياسى لاستلاب العقل المصرى، والوثوب إلى السلطة، وإلا فما هو الخطر المتمثل فى وجود البهائيين أو وجود غيرهم، ممن لم يضق بهم الإسلام، ولم تضق بهم مصر، ولم يخل منهم أى مجتمع؟!.

لقد اتسع صدر الإسلام لليهود، والمسيحيين، والصابئة، والمجوس، وللمسلمين الذين تسننوا وتشيعوا، وللسنة الذين التزموا النصوص وفهموها بظاهر معناها، والذين أولوا النصوص وفهموها بما تقصد لا بما تقول، واتسع للشيعة الذين اقتربوا من السنة، والشيعة الذين ابتعدوا عنها. وأهل السنة المسلمون يعتقدون أن القرآن كلام الله لا ينفصل عنه، أما المعتزلة فيقولون أن القرآن مخلوق، ومنهم من يرى أنه أوحى إلى النبى بمعناه لا بلفظه، والنصيريون أو العلويون فرقة من فرق الشيعة، والدروز فرقة أخرى.

بل لقد اتسع الإسلام حتى لمن لا دين له، وتبنى حرية الاعتقاد كما رأينا فى الآية الكريمة التى مرت علينا من قبل «فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر»، وفى القرآن الكريم عشرات من الآيات التى تقرر هذا المبدأ وتؤكده.

ولم يحدث فى يوم من الأيام أن كانت مصر ديناً واحداً أو مذهباً واحداً، لأن البشر ليسوا نسخة مكررة، ولأن المجتمعات الإنسانية تواريخ، وخبرات، ومواريث، وثقافات، وبيئات مختلفة، لا تتأثر بها العقائد فتختلف وتتعدد، وفى الخلاف رحمة، وفى التعدد غنى، والذين يريدون أن يجعلوا مصر عقيدة واحدة، ومذهباً واحداً، طغاة يسعون لفرض إرادتهم على الجميع!.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة