فى أسبوع واحد، انتزع البابا شنودة فتائل فتن نائمة، وهى أخطر من الأنفلونزا والكوليرا والسرطان.. وكعادته دائماً بدا البابا حريصاً على مصر أكثر من حرصه على مصالح أفراد، حتى لو كانوا من شعب الكنيسة، فقد أعلن تأييده لقرار إعدام الخنازير، وقال إن أمن البلد أهم من مصلحة أصحاب الخنازير، رغم إن القرار مختلف عليه من الجميع.
فى نفس العظة أعلن قداسته أن «التبرع بالكبد يجوز لأى إنسان مهما كانت ديانته.. ومسألة الطب تعتبر عملا إنسانياً، والعمل الإنسانى لا يتقيد بشروط سواء الجنس أو الدين أو اللغة..
العمل الإنسانى واجب لجميع الناس»، وهى خطوة أخرى يتقدم بها البابا شنودة على كثيرين من المسلمين والمسيحيين، الذين أثاروا لغطاً طائفياً، وحولوا الطب إلى قضية دينية مع أنها فى الأساس قضية تخص البشر، البابا شنودة كعادته يتقدم فى طريق المواطنة، ويعلى من قيمة الوطنية حتى لو كانت على حساب المسيحيين. وهو درس يجب أن يتعلم منه قطاع واسع من المسلمين والمسيحيين الذين حولوا العقيدة إلى مباراة، تخسر فيها العقائد ويخسر فيها المجتمع، ومن حق البابا شنودة على المجتمع أن يسانده، ويدعم سعيه لتأكيد فكرة المواطنة، بعيداً عن النعرات الطائفية. جاءت عظة البابا فى وقت تراقص فيه لاعبو الفتنة فى الطرفين، بعض المسلمين اتخذوا من مرض أنفلونزا الخنازير تأكيداً على حرمانيتها لأسباب صحية، بينما دعاة الفتنة الأقباط روجوا أن قرار إعدام الخنازير مقصود به مصالح الأقباط وإخضاعهم للمسلمين، وكلا الفريقين فى الواقع لا يعلم شيئا، فلو كانت الأنفلونزا مرتبطة بالخنازير ما أصابت الطيور أولاً، ثم إن القرار الحكومى والبرلمانى جاء بالفعل متسرعاً وأثار غضب الكثيرين فى الداخل، لأن مصر خالية من المرض حتى الآن ولا توجد دولة أعدمت خنازيرها كما فعلنا، ثم إن الخطر مبالغ فيه بالنسبة للمصريين الذين لم ترعبهم أنفلونزا الطيور، وقتلت 24 خلال ثلاث سنوات، وهو رقم قتلى حادث ميكروباص صغير، وأعتقد أن الكبد الوبائى الفيروسى أخطر علينا من أنفلونزا الطيور والخنازير والسمك وما يستجد، الأنفلونزا قتلت 40 مليون إنسان عام 1918، وبعدها تم اكتشاف الفيروس.
فيروس الكبد يقتل سنويا ما يقارب الثلاثين ألفا، ومع ذلك لا تتعامل معه الحكومة كوباء يستحق المواجهة، ربما ننتظر تحذيرات دولية، ومتحدثين رسميين وبيانات عالمية لنشعر بالخطر، نحن نرى أنفلونزا الخنازير كارثة عالمية، لأن العالم يهتم به ويحذرنا، ولا نستطيع أن نحذر أنفسنا.
قررنا إعدام الخنازير وذبحها قبل التفكير فى حل لمشكلة أصحابها والعاملين فيها الذين يقاربون المليونى مواطن، وهى عادة حكومية فى مواجهة أى مشكلة، إما تجاهلها حتى تصل لمستوى الخطر، أو التعامل معها بغباء بيروقراطى يزيد تعقيدها، وإذا كان البابا شنودة انتزع بذور الفتنة من المتطرفين على الجانبين، فمن حقه علينا أن نسانده، والمساندة تكون بإقرار قانون ينظم تعويض أصحاب المزارع، سواء كانت خنازير أو دجاجا، وهى خطوة تأخرت سنوات كان من المفترض أن يقر قانون التعويض العادل فى بداية أنفلونزا الطيور حتى يتشجع الناس للإبلاغ عن الإصابات فى مزارعهم ومنازلهم، خاصة إذا علمنا أن ملايين المنازل فى مصر يقوم اقتصادها على تربية الطيور، وهناك فقراء فى القرى رأسمالهم خمسون دجاجة، يبيعون بيضها أو لحمها ليعيشوا، وهؤلاء تمثل الطيور رأسمالهم الذى لايمكنهم التضحية به، كان المفروض أن تفكر الحكومة فى قانون لتعويض المضارين، قبل أن تعدم رأسمالهم، من الخنازير والدجاج، وأن تنشئ صناديق تشرك فيها شركات التأمين مثلما تفعل الدول المحترمة.
عودة إلى دروس البابا شنودة، التى دافع بها عن قرار ظالم لأصحاب الخنازير، وأحل التبرع بالأعضاء بين البشر بصرف النظر عن العقيدة، وهى بديهيات سادت المجتمع المصرى قبل أن يصيبه التشوه والعشوائية، ومن حقه أن نسانده فى سعيه لاستعادة روح المجتمع المتسامح التى تاهت وسط زحام الفقر والمرض، وفوضى حكومية تحجب تكافؤ الفرص، وتزرع العنف والطائفية، هل نستفيد من درس البطريرك؟