انتظرناه.. وجاء، ورحل، وقال كلاماً يؤكد أن «ريقه حلو» وأن علاقات بلاده بإسرائيل ثابتة ولم تتغير، وكان الحضور يصفق - لأول مرة فى التاريخ - عندما يستشهد بآية من القرآن الكريم.
كتبت له رسائل من غالبية الذين يحبون كتابة الجوابات من الصحفيين والمفكرين، كلها ترحب به وتطالبه بعدم الكيل بمكيالين، وتحدث هو عن المحرقة النازية (التى زعم أن ستة ملايين يهودى راحوا فيها)، واعتبر هيكل فى الشروق أن الزيارة مهرجان الترويج الثالث للسياسة الأمريكية (بعد زيارة نيكسون فى السبعينيات، وبعد مدريد التى جاءت بعد تدمير العراق) وتلقت النخبة الخطاب مثل ربات البيوت «على حد تعبير إبراهيم عيسى» وفرشت الفضائيات فى الهواء الطلق، وتحدث أناس متخصصون كثيرون، ولم يكن فى الكلام كلام، ولكن «تعشم» الجميع خيراً، وبدا أن من لا يكتب عن زيارة أوباما هو شخص خارج آداب المهنة «على حد تعبير جلال عامر فى المصرى اليوم» جاء أوباما الخميس، وقبل مجيئه بيوم نشرت «المصرى اليوم» أن الأمن أجبر الداعية «الكاجوال» عمرو خالد على الرحيل عن مصر، ومنعه من تصوير برنامجه «قصص القرآن» بسبب نيته عرض قصة سيدنا موسى التى يشير فيها إلى تحدى موسى للفرعون، وقالوا إنه رحل إلى لندن الثلاثاء فى رحلة قد تمتد عامين، وأن زياراته لمصر ستكون قصيرة وعلى فترات متباعدة، وقيل أيضاً أن أصل المشكلة هو مشروع «إنسان» والذى طلب فيه 70 ألف متطوع لمساعدة 35 ألف أسرة فقيرة داخل مصر، وهو المشروع الذى «يصطدم» بمشروع الحزب الوطنى الخامل بتنمية ألف قرية فقيرة (أيضاً).. توقيت النشر كان مهماً، للفت نظر الرئيس الأمريكى الجديد إلى الموضوع، خصوصاً أن الداعية كان محبباً للإدارة السابقة، وتبناه كيسنجر، وسبق أن رحبت به الخارجية الأمريكية عندما سافر إلى هناك بعد اختيار «تايم» له «شخصية مؤثرة جداً فى البشرية» ولأنه «صوت مهم للاعتدال داخل العالم الإسلامى، وأنه شجع المسلمين على تنفيذ خطط عملية من أجل تغيير حياتهم ومجتمعاتهم من خلال الإسلام، كما شجعهم على الانسجام بسلام مع الغرب.. ولكن الإدارة الجديدة غيرت خططها، لأنها اكتشفت أن الأزهر الشريف هو صوت الاعتدال و«الشرعية»، ولم تعد مشغولة بعمرو خالد أو أيمن نور، ولا بالذين يبحثون عن «نفوذ كونى» يدعمهم ويحل مشاكلهم ويحقق مصالحهم فى بلادهم.
توقيت النشر كان محسوباً، وبعد أن هدأ غبار الرحلة، قال الداعية لـ «المصرى اليوم» السبت أنه يتمتع بجميع حرياته فى الدخول والخروج والإقامة فى بيته وبين أولاده، ولكنه لم يعد مسموحاً له بإلقاء دروس ومحاضرات فى مساجد، ونفى فى اليوم نفسه فى الوفد تعرضه لضغوط أمنية للرحيل إلى لندن.
وكتبت مقالات ونشرت آراء قراء، وبقى الموضوع غامضاً مثل شخصية عمرو خالد، الذى لا يجز شاربه ويحلق لحيته ويظهر بشعر مستعار بعد أن اشترطت السيدة صفاء أبوالسعود عليه ذلك فى أولى خطواته مع الشيخ صالح، ورغم فتوى الشيخ القرضاوى بأن الشعر المستعار حرام، عمرو خالد الذى بنى مجده فى النوادى الكبيرة، بين الشباب الذين علمهم آباؤهم (الذين عاشوا فى الخليج شوية) فى مدارس أجنبية وتخرجوا فى جامعات خاصة، وينفقون عليهم بعد تخرجهم، بنى مجده وسط شريحة تعانى من الفراغ، وتشعر بخيبة أمل لأنها لم تصبح أمريكية، ولم تنسجم فى مصر مع أبناء الشرائح الأقل دخلاً والتى قدر لها التعليم النظامى.
عمرو خالد الذى تبناه السعوديون ورضى عنه الأمريكان والإسرائيليون ويعمل له النظام ألف حساب، ويدافع «بصوته الذى يشبه الشريط السافف» عن مصالح رجال الأعمال، والذى وصل دخله إلى مليونين ونصف المليون دولار سنوياً يشعر أنه محاصر، ولماذا؟ لأنه ينوى حكاية قصة سيدنا موسى.
عمرو خالد الذى قال فى قناة اقرأ فى 10 مايو 2005 وكأنه شاهد عيان «إن النبى داود، وبأمر من الله، هو الذى بنى المسجد الأقصى، وقد بناه فى مكان بيت رجل يهودى، ثم جاء النبى سليمان ليكمل، بأمر من الله أيضاً ما بدأه داود».
هذا الكلام الذى بثه التليفزيون الإسرائيلى وقتها كثيراً، لأنه جاء لهم على «الطبطاب» ليؤكد خرافاتهم التى لا أساس لها حول هيكل سليمان، وهذا الكلام هو الذى جعل كيسنجر يشيد به، وأيضاً الإنجليز، وعندما جاءت أزمة الرسوم الدنماركية، ركب جواده وذهب، وصار صوتاً للاعتدال كما يراه الغرب والمتشددون اليهود.
أما موضوع مشروع «إنسان» الذى طلب فيه 70 ألف متطوع لمساعدة 35 ألف أسرة فقيرة، فهذا كلام مضحك، ويعنى أنه لا توجد دولة ولا يوجد نظام.. أن يطلب شخص ما هذا الرقم من المتطوعين «حتى لو كان من أجل الخير»، فهذا يعنى الفوضى، وأن من حق أبوتريكة أن يفعل مثله، أو يأتى شخص فى المستقبل، يطلب متطوعين للتخلص من روح مصر الخضراء المتدينة، وفرشها برمال الجزيرة العربية وأفكارها وعاداتها وأطماعها.. ولكى يحكى عمرو خالد قصة سيدنا موسى ويردم على تاريخ الفراعنة.