لم تكن زيارة الرئيس مبارك إلى منطقة النوبة، محض حدث عادى أو منفصل عن السياق الزمنى، ففى العام 2006، زارت لجنة لتقصى الحقائق من مجلس الشورى النوبة، بناءً على مذكرة قدمت فى المجلس عن الأوضاع هناك، حينها كان المرحوم اللواء سمير يوسف هو محافظ أسوان، وخصص وقتها مساحات كبيرة من الأراضى حول البحيرة لمستثمرين وشركات استثمارية، ما أثار أهالى النوبة الذين رأوا أنهم أحق بهذه الأراضى بعد أن تم إعدادها للاستثمار والسكن؛ لأسباب كثيرة تدور حول الحق التاريخى كونهم أبناء المنطقة، وأنهم غادروا أماكنهم كتبعة لبناء السد العالى ومنحوا عوضاً عنها أراضٍ لا تقارن بها من حيث الجودة والقرب من نهر النيل (محور حياة وثقافة النوبيين).
الظلم التاريخى الذى تعرض له النوبيون لم يعد سراً، بعد أن نشطوا فى التعريف بأنفسهم وتاريخهم، ووقائع التهجير التى بدأت منذ أوائل القرن الماضى، ولم يكن ذلك المترتب على بناء السد العالى سوى حلقة أخيرة منها، وقد ساعد هؤلاء فى أن يعرف المصريون عن أهل النوبة أكثر من كونهم مشهداً استعراضياً فى فيلم عربى؛ إلا أن تفاصيل الظلم الذى تعرض له أهل النوبة أكبر بكثير مما يتصوره أحد.
توقيت زيارة الرئيس مبارك، يبدو جداً كونه رسالة للجهات التى تحاول أن تعبث بأمن الجنوب، ولاحتواء غضبة أهلها التى لا يغذيها تاريخ كامل من الظلم والتجاهل والتعالى وحسب؛ وإنما أيضاً جهات تبغى التربح، وأخرى تستهدف التخريب، وثالثة تجد فى الأمر "سبوبة"، فى حين يبقى التراث العظيم لأهل النوبة، وخامتهم الثقافية المختلفة بعيداً عن الاحتواء.
الرئيس مبارك فى زيارته، وفى حواره بعدها مع عبد اللطيف المناوى، تحدث عن النوبة ووعد بالأفضل لها، حديث ينبئ بصدق تحقيق الوعود فى الأيام القادمة، لكن سيدى الرئيس .. تنفيذ كل ما يحلم به أهل النوبة من مطالب ـ هى حق لهم باعتبارهم مواطنين مصريين ـ وكل ما وعدت به أهلها المخلصين، سيكون فى يد جهاز إدارى وتنفيذى، ربما لا يؤمن بحقوق أهل النوبة، وبخطورة عدم تلبية احتياجاتهم، بالدرجة نفسها.
وربما يكون سوء التنفيذ، كما حدث فى عهد اللواء "يوسف"، سبباً فى الانحراف عن الأهداف، وربما يكون عدم استيعاب الطبيعة الخاصة للمنطقة وأهلها وخطورة الموقع الحدودى سبباً فى احتقاناتٍ أكبر.
فمن سيضمن ألا يحدث هذا كما حدث سابقاً؟ كى تظل النوبة لأهلها، وكى تأمن مصر على جنوبها.