منذ 30 سنة سقط شاه إيران تحت شعارات "الملالى" لمحاربة الديكتاتورية والفساد، لكن هذه الشعارات لم تنته بنهاية الشاه بل استمرت فى التداول بين "الملالى" أنفسهم الذين راحوا يتهمون بعضهم البعض بنفس اتهاماتهم السابقة للشاه من ديكتاتورية وفساد، حيث بدأوا يدخلون فى صراعاتهم الخفية مع بعضهم البعض على غنائم الثورة، مما جعل "الحسن بنى صدر" يقول إن الصراع بين "الملالى" سوف يكون هو الطريق إلى جهنم، وقد كان "الحسن بنى صدر" أول رئيس لإيران وهو شيعى اثنا عشرى، تولّى رئاسة الجمهورية الإيرانية سنة 1980 لمدة سنة ونصف تقريبا1981، حيث كان قد شارك فى الحركات الطلابية ضد الشاه، وسجن مرتين، وأصيب ثم فر إلى فرنسا وانضم إلى مجموعة المقاومة الإيرانية بقيادة "الخومينى"، وعاد إلى إيران مع "الخومينى" فى أيام الثورة التى بدأت فى أول عام 1979، وعندما ظهر أن "آية الله العظمى الخومينى" هو الذى داس بقدمه فوق رقبة الابن المدلل له "الحسن بنى صدر"، حيث بقى "بنى صدر" مختبئاً لمدة ستة أسابيع وفى منتصف عام 1981 قام بحلق شاربه وارتداء الزى الرسمى للقوات الجوية الإيرانية وركب على متن طائرة "بوينج 707 " يقودها الطيـّار العقيد "بهزاد موعضى"، وسلكت الطائرة طريقا قريبا من الحدود التركية قبل أن تنحرف فى المجال الجوى التركى، حيث إن الطائرات الإيرانية لا يمكن أن تطاردها، ثم طار "أبو الحسن بنى الصدر" من تركيا إلى كاتشان فى فرنسا برفقة "مسعود رجوى"، حيث يعيش الآن فى فرساى، بالقرب من باريس، فى فيلا تخضع للحراسة المشددة من الشرطة الفرنسية، فقد هرب "بنى صدر" إلى خارج إيران هربا من قدم "آية الله الخمينى" الطاهرة فوق رقبته لمجرد دخوله فى منطقة خلافات "الملالى"، ثم جاء الدور على "آية الله منتظرى" الذى حددوا إقامته فى إقامة جبرية فى بيته الخالى من الأثاث الفاخر الذى كان يمتلئ به والمفروشات حتى من سجادة للصلاة، فظهر هذه الأيام "آية الله منتظرى" ليجهر بصوته فى الإعلام وأمام صندوق الانتخابات ضد المرشد الأعلى "آية الله خامنئى" مفتتحا ومدشنا بداية علنية لدخول "الملالى وآيات الله" إلى جهنم، وقد كان "آية الله حسين على منتظرى" وهو النائب السابق لآية الله الخومينى، الذى يعيش تحت الإقامة الجبرية بمنزله بمدينة "قم"، و"منظرى" هو الذى قال فى كلمة له إن الوعود التى قطعها "الخومينى" للإيرانيين الذين دفعوا ثمنا باهظا للثورة لم تتحقق، وأعرب عن قلقه إزاء المخالفات التى ترتكب فى إيران باسم الإسلام وإمكانية إلقاء اللوم على الإسلام نتيجة لذلك، وقال "منتظرى" إنه "من دواعى الأسف إن آية الله الخومينى قطع وعودا (للشعب) فقمنا نحن بإبلاغها، ونزل الناس إلى الشوارع متوهمين أن تلك الوعود ستطبق فقاموا بالثورة دافعين ثمنا باهظا لذلك إلا أن تلك الوعود لم تتحقق"، ومنتظرى كان قاب قوسين أو أدنى من خلافة "آية الله الخمينى"، خاصة وأن "آية الله مطهرى" رئيس مجلس قيادة الثورة كان قد اغتيل فى الأسابيع الأولى من انتصار الثورة فى أوائل عام 1979 على يد المتشددين الدينيين، لكن انتقاداته لولاية الفقيه التى يستمد منها النظام الحاكم فى إيران شرعيته، وموقفه الذى وصفه المحافظون باللين فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان، كانت مبررا لأن يجرده "آية الله الخومينى" من مناصبه ثم يعزله عام 1988، وقد اضطهد أتباعه وأقاربه وتعرض العديد منهم للاغتيالات، ثم جاء التحذير من الدخول فى الخلافات وجحيم الصراعات الدامية التى تدار فى الصراعات على أرض الواقع بعيدا عن "جنة الدين" التى يحتكرون مفاتيحها، لكن "جحيم الواقع" كما يقول "عبد الرحمن الراشد" فى الصراع المدنى غير "جنة الدين" فى "الحكم الدينى" باسم الدين، فالواقع المدنى يسقط عن الوجوه كل أقنعة الملائكة ومن حولها كل هالات التقديس الواجبة التى سقطت إلى غير رجعة فى المناظرة بين "الملا مهدى كروبى" والرئيس الإيرانى "نجاد" فالملالى - كما يقول الراشد - عندما ينخرطون فى الصراع المدنى تصبح لحومهم (هامبورجر)، حيث تؤكل مثل لحوم غيرهم، فالعصمة تسقط عنهم بمجرد دخولهم عالم السياسة ويتهمون بعضهم بالسرقة والكذب والتزوير واستغلال النفوذ، لقد بدأ "الملالى" يضعون أقدامهم بقوة فى "جهنم الصراعات المدنية"، وكما تقول جريدة "نيويورك تايمز" أن صراع "آيات الله" على السلطة والنفوذ كان ممتدا بين "خامنيئى" و"هاشمى رافسنجانى"، بالرغم من أن "رافسنجانى" هو الذى دعم "خامنيئى" للوصول إلى ما وصل إليه ورد "خامنيئى" الجميل إلى "رافسنجانى" بأن أقصاه عن السلطة ودعم "نجاد" فى صراعه مع "رافسنجانى" ليصل "نجاد" إلى الحكم فيما تتجدد "معركة الملالى" الآن لتتصادم مفاصل أعمدة الثورة الإيرانية كما يقول "الحميد" ليعلو صراخ الألم ويسمعه كل العالم، لقد اندلع الصراع المؤدى إلى جهنم التى سبق وحذر منها "بنى صدر"، حيث اتهم "نجاد" آية الله "هاشمى رافسنجانى" وكل عائلة "رافسنجانى" بعدم النزاهة والفساد، والآن يفجر "رافسنجانى" الموقف فى وجه أعلى رأس فى النظام الدينى وليس فى وجه "نجاد" فحسب وانكشفت عمليات التزوير فى الانتخابات، وبالرغم من تحذيرات "آية الله العظمى المرشد العام" إلا أن المظاهرات الدموية اندلعت مطالبة بالتحقيقات فى تزوير الانتخابات، حيث وجد المرشد العام نفسه فى موقف لا يحسد عليه وهو يقرر التحقيق حول نتائج الانتخابات، مما جعل "أحمد وصل الله" الإيرانى المقيم فى باريس يقول بأن السلطة فى إيران ليست كما تبدو فى العلن من التماسك والاتفاق، فالمتأمل فى السياسة الإيرانية منذ تولى الملالى زمام السلطة سوف يلاحظ أن أولويات الملالى تتركز على تصدير الثورة وتجنيد الأتباع وزرع القلاقل فى دول الجوار والاهتمام بنشر التشيع فيما ينفقون على ذلك مليارات التومانات الإيرانية، وقد بدأت الصراعات تنشب فى طحن مفاصل الثورة وتجر الملالى - كما سبق وقال الحسن بنى صدر - إلى بداية الطريق إلى جهنم