قد تكون السخرية مريرة فى لحظات كهذه، ساعتان من حرقة الدم، ستعقبها بالتأكيد أيام من البكاء على اللبن المسكوب، فكعادته خالف المنتخب المصرى كل التوقعات وخسر من أمريكا فى مباراته مع أمريكا ببطولة كأس العالم للقارات 0/3، الكل توقع أن نفوز، والكل توقع أن نلقن الأمريكان درساً لن ينسوه، والكل توقع أن يواصل المنتخب المصرى عروضه القوية، بعد أن لفت نظر العالم كله بأدائه المبهر فى مباراتى إيطاليا والبرازيل، والغريب أنه حينما انتهت المباراتان تناسى الجميع هزيمة منتخبنا من الجزائر وطمعنا فى كأس العالم للقارات ورفعنا شعار "لسه الأمانى ممكنة"، ومادمنا أحرجنا البرازيل وتغلبنا على إيطاليا فاحتمال اللعب فى النهائى محتمل، واحتمال الفوز أيضاً وارد، وهكذا لعب الحلم لعبته، وأفقنا على كابوس لا يقدر على توقعه أشد المتشائمين، وكانت المفاجأة الكبرى، فبعد حسبة برما أدمناها، وبعد سوء حظ مثل الفقر الدكر، خرجنا من كأس العالم وطعم المرارة عالق بحلوقنا، ولا ينفع فى أن نذيبه تذكر الانتصارات، ولا إعادة الأهداف، ولا إحصاء الفرص الضائعة، ومن هنا يصبح التفسير الفنتازى هو الحل. ولهذا نسأل هل خسرت مصر من أمريكا من أجل عيون أوباما؟
معروف أن للرياضة أهدافاً أخرى غير الاستمتاع، ومن المؤكد أن الأغراض السياسية تأتى فى مقدمة هذه الأهداف، ومن ينظر إلى الأحداث والوقائع الأخيرة يعرف أنه منذ سنوات طويلة لم تنعم مصر بفترة "عسل" مع أمريكا، إلى أن جاء أوباما الرئيس، وخالف سابقه "جورج بوش" بحلاوة فى اللسان وبريق فى الوعود، وسماحة وتآلف فى الخطب الجماهيرية الحماسية، "أوباما" وقف أمام اليمين الإسرائيلى المتطرف، ليعلن أن "حل الدولتين" هو الحل، وما على الجميع إلا أن يتسامح قليلاً لكى ننعم بالسلام، كلام أوباما نزل برداً وسلاماً على قلوب المصريين، حتى شبهوه بالملك الفرعونى الشهير "توت عنخ آمون" ولأول مرة منذ سنين طويلة تتوافق الإرادة السياسية مع العاطفة الشعبية، ويجتمع الشعب مع الساسة على "حب أوباما".
السؤال الآن هل يجوز أن نخسر من أمريكا بهذا الشكل الهزيل من أجل عيون أوباما؟ وهل يجوز للسياسيين أن يفعلوا هذا دون مراعاة لمشاعر الملايين؟ وهل نملك من الأسباب والدلائل ما يدعم هذا الكلام؟ وهل يتضح من خط سير المباراة ما يدعم هذه الافتراضات؟
يبدو أن الإجابة على كل هذه الأسئلة هى: نعم، فالسياسة لا تقيم وزناً للمشاعر، وإذا أراد السياسيون شيئاً فلا مراعاة عندنا لمثل هذه التفاهات، أما فى أمريكا فمن الممكن لو فزنا نحن بالمباراة أن ينقلب علينا الشعب الأمريكى ورجال الكونجرس، لأن الأمريكان لا ينسوا من استهان بهم، ومن الطبيعى عند الأمريكان أن ينظروا إلى المباريات باعتبارها معارك، ولا ننسى بالطبع حينما فازت إيران على أمريكا ما فعله الأمريكان بفريقهم، وأقرب مثال على هذا ما تداولته بعض المنتديات الأمريكية قبل مباراة مصر، فالأمريكان "بهدلوا" فريقهم واتهموه بأنه فريق "خايب" ولا بد له من أن يتعلم من الفراعنة، الذين أحرجوا البرازيليين، وهزموا الرومان، فليس ببعيد أن تصدر أوامر عليا يتلقاها التليفون الأحمر يشخط فيها صوت جهور قائلاً: اتهزم النهارده يا شحاتة. فيقول شحاتة: أوامرك يا فندم، ومن ثم يعلن أن إصابة زيدان كبيرة بعد أن قال إنها "بسيطة" ويستبعد "حمص"، الذى أحرز هدف إيطاليا الخالد، ويتوه وسط الملعب ويصبح لا بيصد ولا بيرد، كما يصبح الدفاع المصرى مثل الطاقية الشبيكة فتحاته أكبر من أن تحصى أو تعد، ولاعبو الأطراف فى الجناح الأيمن والجناح الأيسر مثل أجنحة الدجاجة المصابة بأنفلونزا الطيور، ويصبح خط الهجوم مثل خط جرينتش "وهمياً" ليظل الحضرى وحده هو اللاعب الذى رفض التخاذل وحافظ على مرماه نظيفة رغم إصابتها بثلاث أهداف لا غير.
من المؤكد أن كل ما سبق ليس إلا هذياناً، أو تخاريف، وليس إلا ضرب كف على كف، بعدما ضربنا كفاً على القفا، مازالت لسعته قوية، وحرارته حارقة.