قادنى عمل الواجب إلى زيارة مستشفى سرطان الأطفال ( 57357) فى الأسبوع الماضى، فوجدت إنجازاً باهراً يستحق التقدير والاحترام.
لم أعرف، كما لا يعرف الملايين غيرى طبيعة هذا الإنجاز سوى من الإعلانات التليفزيونية التى يقدمها نجوم المجتمع للتبرع له، وحسب الاعتقاد الشعبى بأن الإعلان يساهم فى إبراز الصورة الإيجابية فقط، أتصور أن هذا الاعتقاد ربما ينسحب على المستشفى، رغم ما يذكره نجوم المجتمع فى إعلاناتهم من محاسن فى حقه، وربما يعتقد البعض أنه مثلا لأصحاب النفوذ، وأن إلحاق المرضى به يحتاج إلى وساطات، والعذر لمن يعتقد هذا لأنه يستمد الصورة السلبية مما يراه من عذاب فى المستشفيات الأخرى، لكن زيارة واحدة لهذا الصرح العظيم تكفى لتبديد هذه الأوهام، وترفع من معنى وقيمة الأمل فى مصر.
شاهدت صرحاً معمارياً رفيعاً فى ذوقه منذ أن وقعت عيناى عليه من الخارج، ورأيت سلوكيات منضبطة، ومعاونة إنسانية هائلة لدى أى سؤال، وحين وضعت يدى فى جيبى ظنا أن هناك رسم دخول، ابتسم الموظف: «تفضل لا توجد رسوم»، أعطانى الموظف المسئول بطاقة زيارة إلى الحجرة التى يرقد فيها قريبى الطفل عمر عصام محمد، وفى طريقى إلى الأسانسير شاهدت أطفالاً مرضى يمرحون بابتسام وأمل فى الشفاء، شاهدتهم محملين بطاقة حب وحنان من العاملين وكأنهم قطعة من أكبادهم.
على باب الأسا نسير وقعت عيناى على لوحة معدنية صغيرة مكتوب عليها: «صدقة جارية من اللاعب محمد أبوتريكة، وأهداء من مانويل جوزيه» المدير الفنى السابق لفريق كرة القدم بالأهلى، تعلقت عيناى باللوحة التى زادتنى حبا وتقديرا لهذين الرائعين، وأكدت أن حب الجماهير الجارف لهما لم يأت لمجرد أن أبوتريكة ساحر للكرة، وجوزيه أسطورة التدريب فى تاريخ الأهلى، ولكن لأن الاثنين أيضاً عاشقان لعمل الخير لصالح البسطاء الذين منحوهم حبا بلا حدود.
دفعتنى اللوحة أيضا إلى التساؤل: ماذا لو حذا باقى نجوم الفن والرياضة والسياسة والأعمال المتخمين بالملايين فى البنوك حذو أبوتريكة وجوزيه؟، ماذا لو تكفلوا بالتبرع لمائة مستشفى مثلاً فى أنحاء مصر، بنفس الدرجة التى تم فيها التبرع لمستشفى سرطان الأطفال؟، ومن يراجع ثروات مليونيرات مصر سيتأكد أن هذا المطلب ليس عسيرا، لكن العسر يبقى فى أن يكفوا الحديث عن حب مصر، ويحولوه إلى لغة عملية مثل أبوتريكة والبرتغالى جوزيه.
صعدت إلى حجرة مريضى عمر عصام، فكل حجرة لمريض مكتوب على بابها اسمه، وقبل الدخول إليه نبهتنى الممرضة باحترام بالغ إلى ضرورة غسل اليد، ولبس الكمامة، وحدثتنى والدته عن الرعاية والاهتمام التى لم تصدق وجودهما فى أى مستشفى، ومع هذا الاعتقاد فوضت أمرها إلى الله متوسلة إليه أن يكتب الشفاء لطفلها فلذة كبدها، بهرها مستوى التمريض العالى، ووجود الأطباء فى أى لحظة يتألم فيها طفلها البرىء، الذى اكتشفت هى ووالده مرضه بالصدفة، فكان طريقهما إلى المستشفى الذى لم يتأخر لحظة فى استقباله، وأكثر ما بعث إليهما الاطمئنان والأمل هو التعامل النفسى من الأطباء، الذين قالوا لأمه إن مرضه مثل قطعة «بومبونى».
قد يقول قائل إن مستوى المستشفى هو استثناء من بين كل المستشفيات الأخرى، لأسباب كثيرة أبرزها الاهتمام الخاص بها من السيدة الفاضلة سوزان مبارك، حرم رئيس الجمهورية، والرد بسيط، فالأفضل أن نزرع بهذا الاهتمام وردة للأمل بدلاً من الندب والإحباط، والأفضل أن نشيد صرحاً عملاقاً منضبطاً ومسئولاً، ربما تنتقل عدواه إلى المؤسسات الأخرى.
المؤكد أننا سنشاهد صورة على النقيض من ذلك، على بعد مسافة قليلة فى معهد الأورام، وهنا يأتى السؤال: لماذا لا يتم الالتفات إليه بنفس القدر، وتقوم حملة قومية مماثلة يشارك فيها الكل من أجل رفع مستواه؟، وما حدث مع مستشفى (57 573) يبعث على الأمل، شرط أن تتوفر الإرادة والمسئولية والتكاتف السياسى والاجتماعى، فبها مع إرادة الله أولا، يأتى شفاء أطفالنا.. وشفى الله عمر عصام وأمثاله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة