لا أفهم سببا لكل هذا الغضب الذى انتاب الزملاء فى المؤسسات القومية الكبرى الأهرام والأخبار بسبب قرار مجلس الشورى بضم بعض مؤسسات الجنوب الصحفية إلى مؤسستى الشمال. ومن الممكن فهم ذلك لو كان الزملاء الغاضبون ملاكا لمؤسساتهم أو مشاركين فيها وليسوا من ضمن آلاف العاملين فى هذه المؤسسات التى تملكها الدولة ويديرها مجلس الشورى.
ثم إن الغضب يبدو مصحوبا بنوع من العنصرية تجاه زملاء لا ذنب لهم سوى أن الأقدار ساقتهم للعمل فى مؤسسة جنوب بدلا من أن تسوقهم إلى مؤسسة شمال. ولو افترضنا جدلا أن هؤلاء الزملاء تم تعيينهم بقرار من مجلس الإدارة فى المؤسسات ولم يكونوا قادمين من مؤسسات أخرى زميلة، هل كان رد الفعل سيكون هو نفسه؟ وهل يمكن لزميل أن يمنع تعيين آخر فى مؤسسة عامة وليست خاصة ولا تراثا أو عقارا؟ وقد رد مجلس الشورى على المعترضين بأنه دعم مؤسساتهم وأسقط عنها ديونا وتغاضى عن مشكلاتها، وبالتالى فمن حقه اتخاذ قرارات تخصها، وهى كلمة حق يراد بها التشويش على الواقع الفوضوى الذى تعيشه هذه المؤسسات.
الغضب كان من الممكن تبريره لو كان دعوة لمعرفة مصير أملاك وأصول المؤسسات التى تم دمجها، ومعرفة كيف تدار والمطالبة بمحاسبة المسئولين عن تردى أحوالها إلى هذه الدرجة، وكيف يمكن لمن يدير مالا عاما أن يسمح بصدور صحيفة يومية مثل المسائية تحقق كل هذه الخسائر.
هذه هى القضية الأساسية التى يمكن النقاش حولها بدلا من الغضب المجانى الذى يحمل نوعا من العنصرية تجاه زملاء مهنة لا ذنب لهم فى الموضوع، ولا يمثل وجودهم تهديدا لموقع الآخرين المهنى أو القانونى، ومن مؤسسات لم تعتد الاعتراض لسنوات طويلة. ثم إن المؤسسات الصحفية الحكومية أو القومية مشكلتها أنها عاشت سنوات طويلة داخل قمقم العزلة بلا تغيير وأدت حالة السكون إلى تجمد الأوضاع داخلها بشكل جعل من الصعب إصلاحها، ولما حدث التغيير بدت مثل الاتحاد السوفييتى السابق تغرق فى البيروقراطية والفوضى. لقد جرى ذلك فى وقت قفز فيه الإعلام فى العالم قفزات مهنية وتكنولوجية وقفت المؤسسات القومية فيه تتفرج بلا فاعلية، وانصرف العاملون لمصالحهم التى تتناسب مع قدراتهم. وبقيت مؤسسات الجنوب الصحفية منسية تماما تقاوم أى محاولة لتغييرها أو تطويرها.
ظلت المؤسسات الصحفية القومية مفعولا بها، ومازالت، والخطأ فى قرار الدمج، أنه كان يفترض اتخاذه بعد دراسة ومناقشة يشترك فيها أصحاب المصلحة سواء الجمعيات العمومية للصحف أو نقابة الصحفيين، مع العلم أن مؤسسات الجنوب لديها أصول وأملاك يمكنها أن تحل أزمتها المالية، لو تم التعامل معها على أساس مهنى وتجارى، وتولية الأصلح وليس الأكثر ولاء.
وهى ليست أزمة مؤسسات الجنوب فقط، بل إنها تنطبق على المؤسسات الأخرى، حيث لا توجد فكرة الجدوى أو الجودة أو النجاح والفشل، لكن تسود علاقات متشابكة تحكمها عناصر غامضة تخلو من المهنية. فالمؤسسات الحكومية تحقق خسائر والكثير من المطبوعات فاشلة وتحقق خسائر ضخمة وبلا تأثير تقريبا ومع ذلك تستمر فى الصدور ولا تجد من يطالب بوقفها أو تغيير قيادتها والتعامل معها كمشروع مهنى واقتصادى يفيد العاملين ويرفع عن كاهل الدولة ودافعى الضرائب أعباء كثيرة.
قضية «القتة المحلولة» وهى القضية التى يجب أن يبدأ الزملاء الغيورون مهنيا فى مناقشتها داخل المؤسسات، لأنها أمور تثير الغضب والدهشة. لقد انتهت معركة الإجازات بالتعادل بين الصحفيين والإدارة فى الأهرام، لكن يبدو أن المعركة هذه المرة لن تنتهى بالتعادل ربما لأنها تتجه اتجاها آخر لا علاقة له بالمهنة وإنما بمخاوف تدفع البعض لاتخاذ مواقف عنصرية تجاه زملاء لا ذنب لهم، ولو فكر الزملاء فى تبديل المواقع لاكتشفوا أنهم يحاربون فى جبهة أخرى.