«ميتال ساسى» راقصة إسرائيلية (31سنة)، احترفت الرقص الشرقى قبل سبع سنوات، وتواجه مشاكل كبيرة بسبب مهنتها، خصوصا بعد فتوى الحاخام «موشيه الياهو» الذى قال فيها «إن الرقص الشرقى حرام فى اليهودية، لأنه مأخوذ عن ثقافة منحطة، ويرتبط بالموسيقى العربية المثيرة للغرائز»، مما دفعها للرقص فى القاهرة، فى فندقين كبيرين فى وسط القاهرة والزمالك وعدد من المراكب النيلية، وأهدت لصحيفة معاريف صورا لها مع الراقصة دينا وسعدالصغير، وأمام الهرم (وهى تؤدى استعراضا فرعونيا )، وتصرفت المصرى اليوم (الأربعاء) فى الصور لأنها من النوع الذى يخدش الحياء، ولا تتفق مع سياستها، وتعاملت مع الموضوع بخفة واتساق مع الناس، وعلى اعتبار أن الرقص تراث مشترك يمكن أن يحقق السلام!
وكشفت «الفجر» فى عددها التذكارى هذا الأسبوع عن صيحة التطبيع الجديدة بالباليه، بعد أن نشرت صحيفة «لابرس» الكندية عن قيام فرقة باليه مونتريال الكندى بجولة فنية فى الشرق الأوسط لأول مرة فى تاريخها، تغطيها ماليا الجمعيات اليهودية ومجتمع رجال الأعمال المصرى، المحطة الأولى ستكون فى تل أبيب والثانية فى القدس والثالثة فى دار الأوبرا المصرية (من 9 إلى 12 يونيو المقبل)، الجريدة بالطبع اهتمت بصور رجال الأعمال المصريين (التى بينهم وبينها خصومة ) ولم تنظر إلى الموضوع بعين الخائف!
تزامن نشر الواقعتين بعد «صفح» نتنياهو عن وزير الثقافة «المصرى»، وبعد اعتذار الأخير عن تصريحاته (غير الموفقة ) حول حرق الكتب العبرية فى لوموند الفرنسية، وبعد أسابيع من دعوة الموسيقار الإسرائيلى دانيال بارينبوم لتقديم حفل فى الأوبرا المصرية، وسط حضور كبير للنخبة الرسمية العاشقة للموسيقى الغربية، النخبة التى سبق أن بنت مجدها الشخصى على رفض التطبيع.. وكل هذا لكى يفوز فاروق حسنى برئاسة اليونسكو.
تساءل فهمى هويدى فى الشروق (الأربعاء) عن الصفقة السرية التى أبرمت أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى لشرم الشيخ الشهر الفائت، والتى صفح بعدها عن المرشح المصرى لليونسكو، والتى قالت هاآرتس عنها إنها صفقة تبادلية «ستحصل من خلالها إسرائيل على مقابل ملموس، وأنها ما كان لها أن تتخذ هذه الخطوة إلا إذا اطمأنت إلى أن ذلك يحقق مصالحها فى نهاية المطاف».
نيتنياهو كان معه بنيامين اليعازر وزير الصناعة فى حكومته، وقدمه للرئيس مبارك على أنه «صديق قديم»، وهذا الصديق كان قائدا لوحدة شكيد التى قتلت 250 جنديا مصريا، وتم تحقيق هذه الجريمة فى فيلم وثائقى أذاعه التليفزيون الإسرائيلى قبل عامين، ومن حق هويدى ونحن معه أن نسأل: أليس من حقنا أن نعرف الثمن الذى دفع فى الصفقة، التى صفح فيها نيتنياهو عن وزير «نفسه فى اليونيسكو» وكيف تحول قاتل الجنود المصريين إلى صديق؟! ومن حق النائب البرلمانى مؤمن عزوز (عن دائرة التلين بالشرقية) أن يحذر من التأييد الإسرائيلى لفاروق حسنى.
القضية أكبر مما نعتقد، لأننا أمام مشهد مهين للثقافة المصرية النقية، التى نجح الوزير فى تأميمها لصالح طموحاته الشخصية، وأيضا الاستهانة بفكرة رفض ومقاومة التطبيع، هذه الاستهانة التى ستمنح المغتصب أرضا جديدة، وستقوى من شوكته، وتجعلنا فى حاجة إلى موافقته (فى المستقبل) إذا أردنا أن نصافح أصدقاءنا فى العالم، ومتى؟ .. بعد أن وصل المتطرفون إلى الحكم فى تل أبيب، كلهم متشابهون لا شك، ولكن نوعية نيتنياهو وليبرمان وصاحب المجزرة، لم تشهد التاريخ مثلها، الأول جاء هذه المرة بتكييف جديد للصراع، كما لاحظ أحمد يوسف أحمد فى الشروق، يرى من خلاله أنه ليس صراعا بين أديان وشعوب، بل بين معتدلين ومتطرفين، نيتنياهو يرى بالطبع أنه معتدل، أى أن الصراع أصبح بين إسرائيل والعرب المعتدلين ضد إيران والعرب المتشددين، وبعد عودته من واشنطن قدم شروطا لإطلاق عملية السلام مع سوريا «بدون شروط مسبقة»، منها، عدم التوقيع على اتفاق سلام قبل تلبية احتياجات إسرائيل الأمنية، عدم التوقيع على اتفاق سلام قبل اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية (أى التنازل عن معظم حقوقهم وعلى رأسها حق العودة، بل ووضع الأساس القانونى للتخلص من عرب 48)، معارضة الانسحاب من الجولان المحتلة، وعلى الدول العربية أن تعطى من الآن مقابلا لاستعداد إسرائيل توسيع دائرة السلام بدخول دول عربية أخرى، إنه يريد تنازلات فقط، خصوصا فى مجال التطبيع، الذى نمنحه له من أجل مقعد يريد أن يجلس عليه الوزير، وقد لا يأتى!
وسبق أن قلت فى هذا المكان أن فشل فاروق حسنى فى اليونيسكو إذا وقفت ضده إسرائيل، سيكون انتصارا للثقافة المصرية وله هو شخصيا، ولكن بعد أن صفح عنه نيتنياهو، وبعد أن تم الترخيص لراقصة إسرائيلية بالرقص فى مصر، وبعد استغلال الأوبرا فى مغامرات الوزير ورجال أعماله، وبعد أن تم «التغرير» ببعض رموز مصر من المثقفين والمبدعين، فى معركة ستكسب فيها إسرائيل ويخسر فيها أولادنا، بعد كل هذا العبث والاستسهال، ينبغى أن نصطف جميعا، لنقول للوزير و«رجالته» ولنيتنياهو وجوقة القتلة الذين معه.. يوجد فى مصر ضمير آخر.. لا يحلم باليونيسكو.