"الزمن الجميل" الذى يخدعونكم به لم يكن جميلاً بالمرة، ولو جمعوا كل المحسنات اللفظية من فنون التزوير وبلاغة الاستقطاب.
هذا ما انتهت إليه الأستاذة صافيناز كاظم فى مقالتها بمجلة المصور العدد قبل الأخير، حكت فيه بمرارة عن منعها من الكتابة لسنوات فى دار الهلال، عندما كان الراحل يوسف السباعى رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، بل ووصل المنع إلى مؤسسات أخرى مجاملة للرجل صاحب النفوذ الطاغى وقتها.
الأستاذة تحكى بمرارة عن تجربة شخصية قاسية، تجربة أن يكمم أحد فمك، يحرمك من حقك فى الحياة، ولها كل الحق فى كل هذا الغضب. ولكن الدرس المستفاد مهم، وهو أكذوبة "الزمن الجميل"، ولا أعرف من صك هذا التعبير وأغرقنا فيه، وامتلأت به عناوين الصحف وبرامج الفضائيات، وفى الأغلب الأعم أنه فعل ذلك لأهداف سياسية، بمعنى أن تتحول فترة زمنية إلى "جمال خالص"، والمعنى المتضمن هو أن ما تلاها ردىء، وما كان قبلها ردىء، أى تحويل فترة زمنية برجالها إلى مقدسات محرم الاقتراب منها.
هذا المنطق لا يخص تياراً بعينه، فهناك من يرى أن ما قبل 1952 كانت "الزمن الجميل"، وهناك أيضاً من يرى زمن الاتحاد السوفييتى كان رائعاً، وآخرون يرون أن زمن الإمبراطورية الإسلامية كان الأجمل، أى أن الكل تقريبا يقيس على ما فات، على الماضى، يقيس وكأنه يريد إعادة كل شىء بكامل تفاصيله، ولذلك ستجد الكثير من معاركنا السياسية والفكرية تدور فى الماضى، فهل غرقت البلد فى غياهب الماضى، ثم كيف يمكن أن يكون الولاء لهذا الماضى وليس للمستقبل؟!
الخطورة هنا فى الأحكام الإجمالية الخطرة، والتى تنطلق من أرضية هذا أبيض وهذا أسود، وهذا يخاصم جوهر الحياة، التى لا تتوقف عن التجدد كل لحظة، وقديماً قال أرسطو لا يمكن أن تستحم فى النهر مرتين.
ناهيك عن أن مقولة "الزمن الجميل" تضعنا فى فخ لا حل له، فلن نستطيع إعادة الزمان، ليس بيدنا إعادة شخص مهما كان عظيماً، ولكن يمكننا استلهام الإيجابيات، الدروس العامة، فالتقليد مستحيل، لأن لكل وقت سياقه وتفاعلاته، وبهذا يمكننا بناء حاضر يتناسب معنا ومستقبل يليق بنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة