كم تبدو بعيدة.. المسافة بين مطرب البوب المثير للجدل والانبهار مايكل جاكسون، وبين باراك أوباما نجم السياسة الصاعد المثير للإعجاب، هذه المسافة البعيدة تختصر حتى لا تكاد تظهر، فيقتربان كثيراً ويتشابهان، مع أن قدرهما ليس واحداً، كلاهما من أصول أفريقية سوداء، ومن جيل واحد ولد نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، فى أعقاب الحرب العالمية، ووسط حرب باردة، واجها زمناً واحداً، و كل منهما خاض حربه فى اتجاه آخر.
مايكل جاكسون حارب هربا من لونه، بينما باراك حارب فى صف لونه وكل الألوان، ثم إن كليهما نجم بمقاييس العصر، فى زمن انتهى فيه عصر البطل المطلق، وأطل أبطال تصنعهم الميديا ليوم أو شهر أو سنة.. ثم تنساهم، لقد ولد جيلنا معهما مع الحرب الباردة وحروب أخرى ساخنة، واجه أحلاما، وانكسارات.
مايكل جاكسون هو مطرب الثمانينيات لجيل ولد فى نهاية الستينيات حتى منتصف السبعينيات، كان قادرا على اختراع الأشكال الجديدة من الغناء الراقص، وصاحب تقاليع مبهرة، فى الأداء الصاخب، جاء فى أعقاب أزمات الشباب فى العالم، بعد الهيبز والروك آندرول.. جاكسون جمع الشهرة والمال، لكنه ظل يعاكس لونه، بالرغم من امتلاكه لصوت مفجع مؤثر. أجرى عشرات من عمليات التجميل لتصغير أنفه وتببيض بشرته وبدا هاربا من لونه الأسود وأصوله الأفريقية، اتهم أكثر من مرة بالتحرش بالأطفال الذين تبنى كثيرين منهم، ومثلما أدمن محاربة لونه أدمن الغرائب والتقاليع، وعزل نفسه عن الأمراض والعالم فى خيمة أوكسجين متحركة، ومن المفارقات أنه رغم ثروته الضخمة رحل مديونا بأكثر من 300 مليون دولار لبنوك وشركات. كجزء من أسطورة الشهرة والغرابة المدهشة.
من اتجاه عكسى جاء أوباما، وبينما كان جاكسون يخوض حربه ضد اللون كان باراك يصعد بمساندة لونه وأحلام مئات من ضحايا العنصرية. من باب الفن والسياسة دخل جاكسون وأوباما، لكن السبل تفرقت بهما. وإذا كان مايكل جاكسون هو مطرب جيل السبعينيات فإن باراك أوباما هو حلم هذا الجيل الذى تحقق، عندما وصل إلى البيت الأبيض عبر رحلة طويلة ومقاومة عنصرية، جاكسون استسلم للعنصرية، بينما أوباما استفاد من مقاومتها.
عاش مايكل جاكسون النجومية حتى الموت، واعتنق كل ما هو غريب ومثير من المعتقدات، وأدمن كل ما يمكن إدمانه، ومثل كل النجوم الكبار فإنه واجه أزمة وجودية، تواجه هؤلاء الذين حصلوا على الشهرة والكمال والجماهيرية مبكرا، وتجاوزت احتياجاته ما يملكه، بعد الشهرة يريد الخلود أو طول العمر أو الصحة، يريد ذاته ولهذا عزل نفسه فى الأكسجين ولم يدرك أن المصائر البشرية معروفة مهما طال الزمن، اعتنق الأفكار البوذية والديانات الآسيوية، وحتى الإسلام حيث أشيع أنه اعتنق الإسلام وتزوج من مسلمة، وهذا أمر غير ثابت وربما تظهر حقيقته فى الأيام القادمة. وحتى لو كان اعتنق الإسلام فقد كان جزءاً من البحث عن الذات فى عالم منحه كل شىء، ومعه لعنة النجومية والشهرة الطاغية، وقد يبدى البعض فرحته لإسلام مايكل وهو فرح ساذج، لأنه قبل عام من شائعة إسلامه أدلى بتصريحات أهان فيها الإسلام والمسلمين والعرب، وقال إنه ما كان سيغنى لو عرف أن العرب سيسمعونه، وهى تصريحات لا يمكن أخذها بجدية من نجم ضحل الثقافة يستمد قوته من ملايين العشاق، وأيا كانت حياته أو معتقداته فقد جسد مايكل جاكسون مأساة الذين تمردوا على لونهم، وبحثوا عن ذواتهم دون جدوى، الميديا والشهرة يصنعان شياطين يصعب صرفها، مثلما جرى مع ديانا من قبل التى كانت عاشقة الإعلام وضحيته، الشهرة قد تصبح مأساة تدفع المرء للجنون أو الموت والانتحار، يحدث هذا فى الفن والسياسة.
أوباما وجاكسون، حاربا الألوان كل بطريقته، وبقدر بعدهما يقتربان، أكثر مما يمكن تصوره.