مرة أخرى تطل برأسها رؤوس التكفير والقتل، عبر التصريح بإهدار دم الباحث البارز د.سيد القمنى، لنعود إلى أجواء الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، عندما استهدف التكفيريون رموز الإبداع والفكر والصحافة المناوئين لمشروعهم الظلامى، والمطالبين بمشروع لدولة حديثة مدنية تباعد بين مصر وبين مصير الصومال وأفغانستان واضطرابات باكستان.
مرة أخرى يعود الوجه القبيح للإرهاب الفكرى الذى يعتمد السكين فى مواجهة القلم والجنزير فى مواجهة الفكرة والمدفع لمواجهة الكتاب، وكأنه لم يكفهم دماء فرج فودة ونجيب محفوظ والتنكيل بنصر حامد أبو زيد، ولنسأل أنفسنا: ماذا يريد التكفيريون من د.سيد القمنى وغيره من المجاهرين بضرورة الانحياز إلى حرية الفكر دون قيد أو شرط؟
أولا، يريدون إسكات هذه الأصوات الحرة إلى الأبد ،حتى لا تقدم نموذجا يقوض نموذج السمع والطاعة وإلغاء العقل ، المسئول فى جانب كبير منه عن استمرار التنظيمات التكفيرية المتطرفة نفسها.
ثانيا، تحاول التنظيمات التكفيرية المتطرفة فرض سلطتها باعتبارها المؤتمنة على الدين فى مصر، وتكريس رموزها باعتبارهم رؤوس هيئة عرفية موازية لهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر السعودية.
ثالثا، يحاول رؤوس التكفير والتطرف التكريس لأنفسهم باعتبارهم سلطة موازية ومناوئة لسلطة الدولة، ويستندون فى ذلك إلى شرعية دينية، يتوهمونها فى أنفسهم، ويحاولون تمريرها وفرضها على المجتمع.
رابعا، يدير رؤوس التطرف صفوفهم بمهارة يحسدون عليها، مستغلين الهامش المتاح من الحرية التى يطالبون بإلغائها والحجر عليها، فتجد منهم من يرفع قضايا الحسبة ومنهم من يملأ الصحف بالاتهامات للمفكرين والكتاب ولوزارة الثقافة مطالبين بتغليب أفكارهم ومنع التعامل مع الكتاب والمفكرين، وحجتهم فى ذلك أن أموال دافعى الضرائب لا يجب أن تصل إلى من يطالب بحرية الفكر والاجتهاد والدولة المدنية وتنقية تراثنا من الخزعبلات والإسرائيليات، وأنها يجب أن تكون حكراً على السلفيين والمتشددين.
وسط تلك الاشتباكات، يقف سيد القمنى نموذجاً لمحنة الفكر فى وطننا العزيز، مهدداً من التيارات الظلامية بالقتل، ومهدداً من الإعلام الاستهلاكى بالتجاهل والنفى، حتى إن أسرته لم تجد أمامها سوى الاستغاثة بالرئيس مبارك فى مواجهة التهديدات بالقتل.
إن ما يجب أن يطمئن إلية د. القمنى وأسرته أن أعدادا كبيرة من المصريين ، ترفض كل أشكال الإرهاب الفكرى ، وأنه ليس وحده فى محنته ، وعليه أن يعتبر بقوله تعالى " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون " صدق الله العظيم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة