من غرائب السلطة الحاكمة فى بلدنا، أنها فشلت فى تأسيس قناة إخبارية حقيقية، ومع ذلك لا تخجل وتترك غيرها ليفعل ذلك.. فلماذا هذا الغباء السياسى ؟
لا أجد له تفسيرا سوى منطق الاحتكار الغبى ، فهى لا تسمح للاعبين غيرها بالتواجد إلا بشروطها، وبالطبع تكون هذه الشروط متعسفة وغبية.. وهو ما يؤدى فى النهاية إلى غياب السياسة، ومن قبلها غياب الإعلام.
رغم أن هذه السلطة جربت منح حرية مقيدة لقنوات تليفزيونية مصرية خاصة، وظهرت برامج توك شو جريئة سياسيا، مثل العاشرة مساء و90 دقيقة وبلدنا وغيرها.. وكان النتائج النهائية لصالحها، فقد جذبت هذه القنوات قطاعا كبيرا من الجمهور المصرى من قناة الجزيرة، بل ويمكن القول أنها استطاعت منافستها، رغم عدم التكافؤ، فهذه قنوات عامة، والجزيرة قناة إخبارية حقيقية.
صحيح أن هذه البرامج مقلقة، ولكنه فى النهاية صراع إعلامى مع شريك محلى ، معروف "راسه من رجليه"، بعكس قناة الجزيرة التى تهيمن عليها سياسة دولة قطر، بمصالحها الإقليمية المعروفة والمتناقضة فى الغالب مع مصالح الدولة المصرية.
ولكن هذا الاحتكار الغبى أعمى السلطة، وجعلها ترفض رفضا قاطعا وجود قناة إخبارية برأسمال مصرى .. وكان آخرها قناة الحياة، التى كان مخططا لها أن تكون أول قناة من هذه النوعية يملكها رجل الأعمال السيد البدوى عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، وكانت هناك أفكار لامعة وضعها الإعلامى الشهير حافظ الميرازى ، ولكن الغباء السلطوى أجهض التجربة لتتحول الحياة إلى قناة عامة.
الدافع الغبى هو ضيق الأفق فلم تر فى البدوى سوى أنه من حزب منافس، ويمكن أن يفلت ولو قليلا من السيطرة، واعتبرت أن هذا خطر عليها، فوجود قناة إخبارية سياسية يمكن أن يفتح هامش الحريات، وهو ما لا تحتمله هذه السلطة المستبدة التى ترى نفسها هى الدولة، وهنا بالضبط الكارثة، ومنبع الاستبداد، فلا هى تقدم إعلاما مهنيا محترما حتى لو كان يدافع عنها وعن مصالحها، ولا تترك الآخرين يقدمون إعلاما مهنيا قويا يدافع عن مصالح الدولة المصرية ويكسب جمهورا واسعا حولها، وينهى استباحة المصريين فى القنوات الفضائية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة