فى حياتنا السياسية جيل مازال يبحث عن دوره، وهو الجيل الذى قاد العمل السياسى فى الجامعات المصرية فى السبعينيات من القرن الماضى، جيل تجد فيه من ينتمى إلى التيار الناصرى، ومن ينتمى إلى اليسار، ومن ينتمى إلى الإخوان المسلمين، ومن يتخذ الليبرالية معتقداً، ووسط كل هؤلاء يبقى أبوالعلا ماضى مناضلاً من نوع خاص يستحق الكثير والكثير.
أقول ذلك فى الوقت الذى تعتزم فيه لجنة شئون الأحزاب خلال أيام اتخاذ قرار فى مسألة حزب الوسط الذى يقوده أبوالعلا، ومنذ 13 عاماً مضت يناضل أبوالعلا ومن معه من أجل الحصول على رخصة شرعية لحزبهم، لكن لجنة الأحزاب كانت تقف بالمرصاد للتجربة، بحجج تقليدية وجاهزة لا تفرق فيها اللجنة بين الجاد والغث ممن يتقدمون بإنشاء أحزاب، ونتج عن ذلك تجميد الحياة الحزبية وإصابتها بالشلل التام، فخسرنا فى الـ 13 عاما الماضية إضافات حقيقية كان من الممكن لها إثراء حياتنا الحزبية التى يحتكرها الحزب الوطنى.
أبوالعلا ماضى هو نموذج ناضج لقراءة التحولات السياسية والفكرية من حوله، ترك جماعة الإخوان، حين وجد فيها ما يعوق قناعاته الديمقراطية، وتركها حين تأكد أن جمودها الفكرى لا يتناسب مع المستجدات التى تفرضها التحولات السياسية، تركها حين وجد فيها الانغلاق على نفسها دون الرغبة منها فى أى مشاركة مع التيارات السياسية، تعب أبوالعلا من أسلوب السمع والطاعة، وبحث عن راحته فى العراك الديمقراطى مع الآخرين من أجل الوصول إلى أهداف وطنية جامعة، تعب أبوالعلا من تواجده فى صيغة تجعله فى الصفوف الخلفية، وهو يمتلك من الكاريزما التى تعزز وجوده فى الصفوف الأولى، وقيادة الآخرين، ولكل هذه الأسباب لم يكن استمرار أبوالعلا فى جماعة مثل الإخوان طبيعياً.
خرج أبوالعلا من جماعة الإخوان إلى الفضاء الواسع، يبحث عن صيغة تناسب نضج تحولاته فكانت تجربة حزب الوسط التى تفاءل بها الكثيرون، فللحزب صيغة ترفض تطرف الإخوان نحو الدولة المدنية، وترفض غلوهم نحو الأقباط والمرأة، ولهذا حرص على أن يكون بين مؤسسيه نماذج من الأقباط والمرأة، هو فعل هذا فى تجربة تأسيسه الأولى لكن الأمن وقف له بالمرصاد، وضغط على مؤسسين منهم لسحب انضمامهم للحزب، وكانت النتيجة إجهاض التجربة، والآن يستوعب الدرس ويوسع من قائمة المؤسسين من الأقباط بل يجعل منهم أشخاصا فى الصفوف القيادية، بما ينفى عنه شبهة تعميق الطائفية، وهى التهمة التى تلتصق بالإخوان المسلمين.
على لجنة الأحزاب أن تحاسب أبوالعلا على حاضره الناضج، وليس على ماض خرج من عباءته بكل قناعة، وبدون ضغوط من أحد. على لجنة الأحزاب أن تتعامل مع مشروعه باعتباره تطورا إضافيا للحياة السياسية والديمقراطية إن كانت هى تريد ذلك بالفعل، وليس بالكلمات المطاطة التى سأم منها الناس.
أبوالعلا هو ابن هذا الوطن، وابن ترابه الذى تعفرت قدماه من اللف والبحث من أجل علو شأنه. أبوالعلا تصالح مع تاريخ بلده، ورأى فيه ما لم يكن يراه وقت أن كانت عباءة الإخوان تغطيه فى الليل والنهار. هو الآن يرى شرعية ثورة يوليو 1952، وهى نفس الشرعية التى يقوم عليها نظامنا السياسى، ويرى الدولة المدنية النموذج الأمثل لحياتنا السياسية، وهى نفس ما يردده الحزب الوطنى والحكومة، ويرى أن المواطنة هى أساس الانتماء إلى هذا البلد وليس الدين، ويرفض توظيف الشعار الدينى كوسيلة لدغدغة المشاعر من أجل الوصول إلى أهداف سياسية، كل هذا وغيره تجده فى برنامج حزب الوسط الذى تتدارسه لجنة الأحزاب حالياً، هو برنامج يحتوى على أفكار كثيرة ناضجة وملهمة لمن يريد أن يمد يده من الحكومة إلى القوى السياسية الأخرى التى تعطى لمصر بإخلاص، ولا تنتظر الثمن، كل ما يحتاجه أبوالعلا ومن معه رخصة شرعية يمارس من خلالها العمل السياسى، الذى سيكون أيضا تحت سمع وبصر الجماهير قبل الأجهزة، فإن وجد فيه الناس ما ينفعهم فأهلا وسهلا، وإن لم يجدوا سينصرفون كما أنصرفوا عن الأحزاب الموجودة، امنحوا الفرصة لأبوالعلا ربما تجدونها فى ميزان حسناتكم يوم القيامة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة