فى متابعة للمؤتمر السادس لفتح، كمتابعة للهم اليومى الأكبر، وهو الشأن الفلسطينى، قال الكاتب الكبير رشاد أبو شاور: "فى حياة الأحزاب، وحركات التحرر، تكون المؤتمرات محطات لطرح الأسئلة، وإعادة النظر، وتجديد الدم فى العروق، وتصحيح المسيرة، ولتجديد الحيوية فكريا، وقياديا، وتحالفيا، والتوقف عند أسباب النكسات، وعوامل التطوير والتقدم.. فهل كان مؤتمر فتح السادس فى بيت لحم كذلك؟...أنه مؤتمر يكرس نهجا هو امتداد لأوسلو، وأنه يختطف فتح نهائيا، وينصّب قيادة منتخبة ديمقراطيا ظاهرا، ويكفى التوقف عند اتهامات عضو المجلس التشريعى عن فتح حسام خضر، عن دور الفساد المالى الذى بات سمّة رئيسة للقيادة المهيمنة المتنفذة.. مؤتمر فتح الذى عقد بمباركة ورعاية الاحتلال والجنرال دايتون قائد أجهزة الأمن السلطويّة، ولعلّ هذا المؤتمر هو أعجب مؤتمر لحركة تحرر، فهو ينعقد بموافقة الاحتلال، وتسهيلات منه، وهذه سابقة فى تاريخ حركات التحرر، بل هى أعجوبة...هل يُقدّم الاحتلال تسهيلات لعقد مؤتمر فتح، وهو يتوقّع أن يتخذ قراراً بالمقاومة وبكافة أشكالها للاستيطان، وتهويد القدس، وأنه سيختار لهذا النهج قيادة تمتاز بالصلابة والاستعداد للتضحيّة إلى أقصى حدود التضحيّة، سجنا، واستشهادا؟!".
وسواء كنت أتفق أو أختلف مع "رشاد" فى جزء مما قاله، فأنا كنت دائما أعتبر حركة "فتح" دائما هى مفجرة الطلقة الأولى باتجاه فلسطين، وهى الجسد المقاتل للشعب الفلسطينى لكنى لم أخف دائما أن هناك انحرافات وفساداً بشكل أو بآخر داخل حركة "فتح" لكنى كمصرى أرى أنه لا يجب علينا كمصريين كانت دائما فلسطين هى محور حياتنا، حيث وهبناها الشباب والشيخوخة لا يجب علينا المزايدة على الفلسطينيين، ويتحتم علينا قبول كل ما يقبلونه ونرفض كل ما يرفضونه لأنفسهم ويجب علينا دائما ألا نتدخل فى الأمور التنظيمية للفلسطينيين على اختلاف منظماتهم، وكنت دائماً على قناعة بأن حركة "فتح" قادرة دائما على تطهير نفسها بنفسها، بالرغم من اختفاء الزعيم المؤسس ياسر عرفات لكنى فرحت بكلام "رشاد" لسبب شخصى أنه عاد مرة أخرى للكتابة.
وكنت فى الأيام الأخيرة قد عرفت أنه دخل مستشفى العيون التخصصى بعمّان الأردن لإجراء عملية جراحية فى عينه اليمنى، وألف سلامة يا صديقى فقد تعرفت على "رشاد" ككاتب فلسطينى موهوب منذ أن قرأت له أول مجموعة قصصية وقبل أن ألتقى به شخصياً وكنت قد حملت مجموعته القصصية "مهر البرارى" معى من بيروت إلى بغداد، حيث كنت أعمل محرراً فى جريدة الجمهورية العراقية، وأثناء مهرجان "المربد الشعرى" فى بغداد عام 77 قابلت الكاتب الفلسطينى الكبير عبد القادر يس، وهو الذى عاش طوال حياته – أمد الله فى عمره – معنا فى مصر وأنجب كل أبنائه من زوجته المصرية على أرض مصر، وكانت السلطات المصرية قد أبعدته من مصر بعد مبادرة "روجرز"، وعندما التقيته فى بغداد كان يداوى مشاعره التى تأثرت بشدة لهذا الإبعاد غير المبرر، عرفنى "عبد القادر" برشاد فأحببته كإنسان منذ اليوم الأول كما كنت أحبه ككاتب قبل أن ألتقيه، وفى هذه الفترة كان صدام حسين قد أصبح رئيساً لبغداد بعد أن كان نائبا لأحمد حسن البكر، وكنت أنا قد قررت الرحيل عن بغداد لأسباب سوف أحكيها فى يوم من الأيام، وصارحت "رشاد" بنيتى فى الرحيل من بغداد، فأشار على بالتحدث فى هذا الأمر مع الكاتب الكبير ناجى علوش رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين ورئيس وفد فلسطين فى مهرجان المربد، واختصاراً كنت أركب نفس الطائرة التى يركبها الوفد الفلسطينى وهو عائد إلى بيروت، ووجدت نفسى دائما أرى "رشاد" كما لو كان هو نفسه "مهر البرارى" ولد "رشاد" فى قرية "ذكرين" قضاء الخليل بتاريخ 1942 ثم هاجر مع أسرته عام 48 عاش مع والده، حيث كانت والدته قد توفيت ودفنت فى قريتهم قبل سنةً من النكبة ثم كانت الإقامة فى مخيم "الدهيشة" قرب بيت لحم حتى العام 52 فانتقل مع والده إلى مخيم "النويعمة" قرب أريحا، وهناك عاش معه حتى العام 57 ثم لجأ والده إلى سوريّة وحصل على اللجوء السياسى، ولقد لحق بوالده وعاش فى دمشق حتى العام 65، ومن بعد عادا إلى "النويعمة" قرب "أريحا" حيث عاشا حتى يونيو 67، فاستقال "رشاد" من عمله فى البنوك بعد حزيران 67 ليعمل فى الإعلام الفلسطينى الموّحد التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية فى بيروت الذى كنت أعمل به، وترّأس "رشاد" صحيفة يومية فى بيروت حيث أقام حتى العام 82، وبعد الخروج الفلسطينى من بيروت غادر "رشاد" إلى سوريا فعاش فى دمشق حتى العام 88 ثم حمل أسرته معه إلى تونس حتى العام 94 ثم انتقل من تونس ليعيش منذ ذلك التاريخ فى العاصمة الأردنية عمّان، منح عضوية اتحاد الكتّاب الفلسطينيين، فى القاهرة.
وفى عام 69 أسهم فى تأسيس الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين، وانتخب عضواً فى الأمانة العّامة لعدّة دورات، كما أنه كان عضو مجلس وطنى فلسطينى منذ العام 83، ومع عدم الدخول فى المسائل التنظيمية والانتماءات التنظيمية، فإن "رشاد" كان دائما معارضا لفتح ولياسر عرفات، ولأننى كمصرى فى منظمة التحرير الفلسطينية لم أكن أهتم مطلقا بمسألة انتماءات الأصدقاء الفلسطينيين التنظيمية فى علاقاتى الشخصية بهم فكنت أرتبط بعلاقات الصداقة مع أصدقاء ينتمون لمختلف المنظمات الفلسطينية مع أننى كنت دائما – وبكل فخر - محسوبا على "فتح" لكن هذا لم يمنعنى دائما من الإعجاب، أو الصداقة، مع المختلفين مع "فتح" لأننى كمصرى كنت مقتنعا دائما بعدم التدخل فى المسائل التنظيمية؛ وبالتالى لم أستطع إخفاء إعجابى واحترامى البالغ للكاتب الكبير رشاد أبو شاور، وكما كنت أحب وأحترم "كبير العقلاء" المناضل والكاتب الكبير عبد القادر يس، أمد الله فى عمره، فقد أحببت واحترمت دائما رشاد أبو شاور كاتبا موهوبا ومناضلا وقياديا فى طليعة الشعب الفلسطينى على اختلاف منظماته، فقد كان "رشاد" دائما كمهر البرارى، بل إن مهر البرارى هو الذى يشبه رشاد أبو شاور فى جموحه: كان "رشاد"، وأظنه لم يزل، جامحا فى حبه لفلسطين، جامحا فى حبه للكتابة، جامحا فى حبه للشعب الفلسطينى، جامحا فى كراهيته للخونة، جامحا فى كراهيته للفساد والمفسدين، وسيبقى رشاد أبو شاور بالنسبة لى دائما، ولكل المهمومين بفلسطين هو مهر البرارى الذى لا يكف عن الصهيل الذى يقاوم الوجع والركض الدائم الذى يقاوم الخونة باتجاه أرض فلسطين.. كل أرض فلسطين.