من المرات القليلة فى كرة القدم التى تصاب فيها بالغم، رغم فوز فريقك، كانت مباراة مصر ورواندا واحدة من أسوأ مباريات بطل أفريقيا، ولولا ستر ربنا لتضاعف الحزن وتعكر المزاج أكثر، كان اللاعبون الصائمون غير قادرين على تسلية صيامنا على الأقل، كأنهم فى فترة نقاهة بعد مرض عضال، لا يوجد انسجام، لا يوجد دافع، كانوا يريدون المزايدة علينا فى التدين كما تفعل الحكومة وكما يفعل الإخوان، كأنهم قرروا أن ينتقموا من دار الإفتاء التى منحتهم رخصة للإفطار، وأن يدعموا جبهة علماء الأزهر التى رفضت الفتوى، على اعتبار أن كرة القدم ليست من ضرورات الحياة.
الفريق المنافس كان متواضعاً للغاية، وكان من الممكن لو اهتم لاعبونا بالفوز ونسوا جدل الصيام وصورتهم أمام المجتمع، أن نحرز أهدافا أخرى سنحتاجها فى مسيرتنا العصيبة، كان الانتصار مخيباً للآمال فعلاً، ولم تكن مشكلة الصيام مصرية فقط، فالجماهير الجزائرية كانت تتطلع إلى فتوى من الشيخ يوسف القرضاوى - كما ذكرت للآسف صحيفة هاآرتس الإسرائيلية ونشر بـ«المصرى اليوم» - أن يصدر فتوى تبيح للاعبين الإفطار كما فعل الشيخ الغزالى فى الثمانينيات، عندما وصلت الجزائر لنهائيات كأس العالم فى إسبانيا 82، ثم المكسيك 1986، وفى المغرب اعتبر أحد رجال الدين فى المملكة أن اللاعبين مسلمون على سفر، وقال المعارضون - من رجال الدين أيضاً - إنهم مسافرون من أجل اللعب واللهو، وإن الصيام من أركان الإسلام التى لا يجوز إسقاطها من أجل مباراة كرة قدم، ما يحدث يؤكد أننا نمنح رجال الدين اختصاصات إضافية، ونمنح الفضائيات فرصة لدغدغة مشاعر المسلمين الذين يحبون ويحترمون ويقدرون دينهم الحنيف، وفى الوقت نفسه يحلمون بأعلام أوطانهم «المسلمة» أن ترفرف فى الملاعب.
◄ يبدو أن هناك خلافاً بين الشيخ القرضاوى ومحمد مهدى عاكف مرشد الإخوان حول المرأة، الأول - الذى تطالبه الجزائر بفتوى فى الكرة ويحمل الجنسية القطرية مثل حسين ياسر محمدى - مع تولى المرأة جميع المناصب بما فيها منصب رئيس الجمهورية، وهو رأى متقدم ومحترم ونقلة جيدة، قاله فى قناة «أنا» الفضائية، ولكنه يتعارض مع برنامج الإخوان «السياسى»، الذى يرفض ترشح المرأة والأقباط لمنصب رئيس الدولة، المرشد قال لـ«الشروق» إن الجماعة لم تأت بشىء حرام فى البرنامج كى تعيد النظر فيه، مصدر إخوانى قال للجريدة نفسها إن عضو مكتب الإرشاد «المعتقل حالياً» عبدالمنعم أبوالفتوح، طلب قبل عام من القرضاوى رأيه فى الموضوع، وإنه قال له إنه يجوز للمرأة تولى منصب الرئيس، ولكنه طالبه بعدم نشر رأيه حتى لا تحدث بلبلة، ولا أدرى ما الذى حدث فى العام الفائت، جعل الشيخ الجليل يجاهر برأيه فى هذا التوقيت، هل تغير شىء؟!
فى هذا التوقيت يكتب القرضاوى فى «الشروق» أيضاً مقالات ضد العلمانية، متأكدا - من خلالها - أنها لن يكون لها مكان فى مصر ولا ديار العروبة، وكأن العلمانية اخترعتها البشرية ضد المسلمين والعرب، واعتبر تركيا ضحية علمانية كمال أتاتورك، لا تعرف كيف؟ وهو البلد الذى يحكمه حزب إسلامى مقتنع بالعلمانية؟ ولم أفهم معنى أن «العلمانية تلزم المسلم - رغم أنفه - أن يعطل ما فرضه الله عليه؟».. الشهر الكريم ملىء بالكلام المجانى، والشيخ الذى أجاز تولى المرأة منصب الرئيس، يعرف أن هذا لا يتحقق فى ديار المسلمين إلا فى ظل نظام علمانى.. يعتبر رجل الدين مواطناً عادياً.
◄ الحالة التى وصل إليها حزب التجمع، والمعارك الجانبية، محزنة للغاية، وليست وليدة اليوم، ولا سببها سيد عبدالعال الأمين العام للحزب، والذى تقدم 31 عضوا فى اللجنة المركزية بمذكرة ضده إلى الرئيس رفعت السعيد «كما نشرت روز اليوسف» سببها رفعت السعيد نفسه، الذى أدار «المكان» بالآليات القديمة التى أسقطت «الذى كان يعرف بالاتحاد السوڤيتى»، ولأنه لعب أدواراً لصالح النظام ضد الطبقة العاملة التى تم تشريدها أو محاصرتها، ووقف معه فى معركته ضد الإرهاب من البلكونة، وقام بتطفيش معظم رموز اليسار، حزب التجمع كان مشروعاً عظيماً، وكان خالد محيى الدين - متعه الله بالصحة - واجهة مشرفة ورمزاً وطنياً ناصع البياض، أما رئيسه الحالى - الذى يجلس على يمين الحكومة - فقد فرغه من مضمونه، وشغلته السلطة، فى وقت لن يجد اليسار مثله.. لكى يكون له مكان فى الشارع.