مثل كثيرين كنت أتمنى أن يصبح فاروق حسنى مديرا لليونسكو، ومثل كثيرين غضبت، ولكن فى النهاية حقق الرجل ومن ورائه الدولة المصرية نتيجة مشرفة وكان الفارق بينه وبين منافسته أربعة أصوات، وأنت تعرف مثلى أنه كان وراءها قوة الأوربيين والأمريكيين، ناهيك عن نفوذهما فى العالم.
هنا تظهر قوة الدولة المصرية، ولا أقصد بالدولة السلطة الحاكمة فقط، ولكن الوزن الاستراتيجى بروافده الكثيرة، فالدولة هى حاصل جمع وتفاعل عناصر التاريخ والجغرافيا والبشر.. وبالتالى فمعركة اليونسكو خاضتها الدولة المصرية بثقلها المتمثل فى كل ذلك، إضافة إلى مؤسساتها، وكانت النتيجة مؤشرا على قوتها عندما تتوفر لدى القيادة السياسية الرغبة، فمن قبل خاض دكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية حاليا نفس المعركة ولم يحقق ما حققه فاروق حسنى لأن الدولة تجاهلته، وهذه كانت خطيئة.
الخلط بين الدولة المصرية والسلطة الحاكمة هى أحد الأخطاء الكبرى التى وقع فيها بعض المثقفين وكثير من المعارضين، فسحبوا خصوماتهم السياسية مع الوزير ومع السلطة الحاكمة على معركة اليونسكو، فتحول الخلاف مع فاروق حول سياساته، إلى عداء مع حصوله على رئاسة اليونسكو، بل واعتبروا أن إسقاطه هو هدف نبيل لابد أن يسعوا إليه جاهدين، وتناسوا أن حصول أى مصرى، أيا كانت توجهاته السياسية هو مكسب للدولة التى نمثلها جميعا وملك لنا جميعا.
ولست مع الذين يرون أن عدم فوز حسنى سببه مؤامرة أو عنصرية ضد حضاراتنا ومنطقتنا، فهذا تطرف يشبه موقف البعض من مقتل الشهيدة مروة الشربينى، الذى اعتبروه يمثل عداء من الغرب "كله على بعضه" ضد الإسلام والمسلمين. وكلا الأمرين لا أظنه صحيحا، ناهيك عن أنه ينقلنا من خانة الصراع الإيجابى للحصول على مكاسب لنا فى المؤسسات الدولية إلى خانة عداء معها ومع العالم ليس له حل، ثم أن الخاسر من الانسحاب من مثل هذه المؤسسات، مثلما طالب البعض، هو نحن، فليست هناك أية بطولة فى أن تترك ساحة المعركة لخصومك.
الأمر لا يتعدى صراعا انتخابيا يعبر بحكم طبيعته عن تعارض قوى ومصالح معقدة، ومن حق الأوروبيين والأمريكيين أن يضغطوا بكل قوتهم، مثلما فعلنا، لكى ينجح المرشح الذين يتصورون أنه يحقق مصالحهم وأهدافهم. وأهم درس فى السياسة أنه لا توجد خصومات دائمة أو صداقات دائمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة