تجذبنى دائما مقالات الصحفى الوقور "ياسر أيوب" لقراءتها وبالذات مقالاته التى يكتبها فى الشأن الرياضى فهو بلاشك صحفى يعرف معنى ما يكتبه ولا يردد - مثل معظم النقاد الرياضيين - ما يكتبه غيره فتأتى كلماته مجرد ترديد لأصوات غيره من الكتاب دون أن يعرف المعنى الحقيقى لما يردده هو نقلا عن غيره، "ياسر أيوب" يعرف إذن معنى ما يكتبه، وهو أيضا يكتب ما يكتبه بحرفية جيدة تساعد قارئه على التجاوب سريعا ووجدانيا معه فيتبنى قارئوه آراءه وهى فى مجملها- من متابعتى له- آراء تستحق الاحترام والقراءة وعناء المتابعة فى عدد لا بأس به من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية.
لذلك - ولغيره من الأسباب - فإن مناقشة هادئة لياسر أيوب عما كتبه فى جريدة "المصرى اليوم" بخصوص الأزمة التى أثارها المحلل الكروى التونسى "طارق دياب" فى فضائية الجزيرة الذى صرح بأن العرب لم يفرحوا لفوز المنتخب المصرى على نظيره النيجيرى، بل كانوا يتمنون هزيمته، وكما جاء فى جريدة البشاير "فقد جاء قول دياب ردا على نادر السيد الحارس السابق للمنتخب المصرى الذى قال إن فوز مصر على نيجيريا أسعد كل العرب، فقاطعه "طارق دياب" قائلاً: إن العرب لم يسعدوا لفوز مصر وتحديداً عرب شمال أفريقيا، ثم أضاف دياب قائلاً: إن العروبة قد ماتت بموت جمال عبد الناصر، وأن العرب الآن أصبحوا يكرهون بعضهم، مؤكداً أن 90 % من عرب شمال أفريقيا كانوا يتمنون فوز نيجيريا على مصر، وأضاف أيضاً أن مباراة مصر والجزائر قد أسهمت بشكل كبير فى تعميق الهوة بين العرب، حيث أصبح كل تونسى ومغربى وجزائرى يتمنى خسارة مصر.
من جانبه حاول طارق دياب تلطيف الأجواء بعد تصريحاته التى أثارت الشعب المصرى مؤكداً لبرنامج القاهرة اليوم أنه لم يحاول التقليل من مصر أو من عروبتها، وأن البعض قد فسر تصريحاته بشكل خاطئ، وكان طارق ذياب قد رفض عبارة نادر السيد عقب مباراة مصر ونيجيريا التى أكد فيها أن كل العرب سعداء بفوز مصر قائلاً "ليس كل العرب سعداء"، وأضاف طارق دياب فى تصريحات لفضائية "أوربيت" أنه لم يتحدث عن عروبة مصر أو تونس أو الجزائر ولم يحاول التحدث فى هذا الشأن مثلما حاول البعض تفسير تصريحاته، وأضاف أن العرب يواجهون مشاكل كثيرة فى الوقت الحالى سواء أكانت فى فلسطين أو العراق ولم يعد هناك وجود للعرب والعروبة، ولكن ذلك لا يعنى التشكيك فى عروبة أحد، وقال دياب إنه توجه بالشكر للفريق المصرى خلال الأستوديو التحليلى عقب المباراة على قناة الجزيرة الرياضية، وأشاد بالفريق الذى وصفه بالوحيد القادر على الفوز على الفرق الأفريقية القوية، وأكد على أنه سيتواجد فى الأستوديو التحليلى الخاص بمباراة مصر وموزمبيق المقبلة وسيحرص خلاله على توضيح موقفه أمام المصريين، حيث أكد على أنه يمتلك أصدقاء مصريين، وأنه يعتبر مباريات تونس فى مصر وكأنها فى تونس والعكس صحيح، وأكد دياب قائلا: لم أتعد على مصر ولكن لا وجود للعروبة". وردا على بعض المصريين الذين استاءوا من كلام دياب وأعلن بعضهم استياءهم كتب ياسر أيوب عن طارق دياب: "أريد الآن أن أشكره على شجاعته لأنه كان أكثرنا جرأة على قول الحقيقة وعلى الهواء أمام الملايين وليس داخل غرف مغلقة الأبواب..
فالرجل قال علنا إنه ليس سعيدا بانتصار مصر.. بعكس كثير من الإعلاميين وعشاق الكرة المصريين الذين كانوا سعداء جدا بخسارة الجزائر وأى خسارة سابقة للآخرين، لكنهم يضطرون فى كل مرة للكذب وادعاء الحزن أو تمنى التوفيق للمنتخب الشقيق". ما قلناه هنا عن ياسر أيوب يصدق تماما على طارق دياب غير أن طارق لم يكن شجاعا، بل كان متجاوزا ومخطئا فى إعلانه عن رأيه حتى ولو كان هو الحقيقة من وجهة نظره فهو محلل مثله مثل ياسر أيوب يعرف معنى ما يكتبه، وهو أيضا يكتب ما يكتبه بحرفية جيدة تساعد قارئه على التجاوب سريعا ووجدانيا معه فيتبنى قارئوه آرائه"، ومن هنا تجىء خطورة ما يكتبه ياسر أيوب وما يردده طارق دياب على شاشات الفضائيات "تساعد قارئه على التجاوب سريعا ووجدانيا معه فيتبنى قارئوه آرائه"، أى أن القراء والمشاهدين يتبنون ما يكتبه الكاتب فى الجريدة والمحلل فى الفضائيات، فياسر أيوب يكتب آرائه فى مقالاته ليتبناها قارئه.
وكذلك طارق دياب يقول آراءه ليتبناها المشاهد، ياسر أيوب فى مقالته يطلب منا تبنى رأيه فى أزمة طارق دياب، وطارق دياب يطلب منا طارق تبنى رأيه فى كراهية مصر حتى لو لم يطلب منا كلاهما ذلك بشكل مباشر، فالكاتب والمحلل لا يقدمان الآراء المجانية بل يقدمانها ليتبناها الجميع حتى ولو لم يطلب أحدهما تبنى رأيه، فهناك اتفاق ضمنى غير معلن بين القارئ والمشاهد وبين كل من الكاتب ومحلل الفضائيات على أن يصدق ويقتنع ويتبنى القارئ والمشاهد كل ما يقوله المحلل فى الفضائيات المفضل لديه والكاتب فى الجريدة الذى يحبه، ولا شك أن هناك من يتجاوب سريعا ووجدانيا مع ما كتابات ياسر أيوب ومع تحليلات طارق دياب، وما يكتبه ياسر أيوب عن فضيلة السماح يدعو قارئه لتبنيه، وما يقوله طارق دياب عن كراهية مصر يدعو مشاهده لتبنيه، فلو كتب ياسر أيوب مثلا أن صالح سليم هو الأفضل فإنه يدعو قارئه لتبنى هذا الرأى، ولو قال طارق دياب إنه يكره مصر مثلا فإنه يدعو مشاهده لأن يكره مصر، فمشاعر الكاتب والمحلل الخاصة عند إعلانها على القارئ والمشاهد هى دعوة واضحة وصريحة لتبنى هذه المشاعر حتى لو لم يطلب الكاتب والمحلل ذلك من القارئ أو المشاهد.
أما ما قاله طارق دياب عن موت العروبة أو عدم وجودها أصلا فهو متسق مع نفسه فيه وهو بلا شك متأثر كثيرا برأى الرئيس التونسى السابق الحبيب بورقيبة الذى "أنكر العروبة وتحالف مع الغرب وكان من أوائل السياسيين فى المنطقة العربية الذين رحبوا بالسياسة الأمريكية فى المنطقة، ففى خطاب ألقاه فى عام 1968 قال "إننا نعتبر أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية يشكل عنصر استقرار يحمى العالم من نوع من الأنظمة الاستبدادية"، وشهدت علاقاته مع عبد الناصر توترات مستمرة، حيث اختلف معه فى الخطاب والأفكار ومواقفه من قضايا جوهرية، مثل: الوحدة العربية والقومية العربية وفلسطين ونادى دائما بالصلح مع إسرائيل، ذات مرة قال "لو خيرت بين الجامعة العربية والحلف الأطلسى لاخترت الحلف الأطلسى وإسرائيل"، كما كان حذرا من حزب البعث لأفكاره العروبية، وحال دون امتداداته التنظيمية داخل تونس، ثم تجدد صراعه مع القذافى، ورأى فيه شابًا "متهوِرا" فى السياسة، وكان يخشى أن تُطَوَق تونس بتحالف ليبى - جزائرى، لهذا وثق علاقاته مع فرنسا والولايات المتحدة، وعندما تسربت مجموعة معارضة مسلحة ومدعومة من الجزائر، وسيطرت على مدينة قفصة فى يناير 1980، استنجد بباريس وواشنطن اللتين قدمتا له مساعدات عسكرية وإمدادات اقتصادية ولوجستية كثيرة، مكَّنَت بورقيبة من إنهاء التمرد التونسى بمعاونة الجزائر بأقل التكاليف، ولسنا فى حاجة، لأن يعلن علينا طارق دياب ولا غيره عن كراهية العرب لمصر فرغم أية مناوشات هنا أو هناك سوف تبقى مصر هى القلب الطيب والدرع الحامى لكل العرب حتى لو أعلن البعض كراهيتهم لمصر، فإن مصر رغم كل مضايقات الصغار سوف تبقى محبة للعرب حتى لو أعلنت فى يوم من الأيام ألمها وقرب نفاذ صبرها من بعض الصغار.
• كاتب وروائى مصرى