كنا مجموعة صغار السن فى قريتنا لا هم لنا غير التزود بالمعرفة، والبحث عن أى كتاب جديد نقرأه حتى لو لم يناسب عمرنا، وذات ليلة كنا نحتفل بعيد ميلاد أحدنا، وكان ذلك ضمن الطقوس التى نحرص عليها، ونحولها إلى مباراة فى ذكر المعلومات، وأذكر أن الاختيار وقع على فى أن أختار دولة وأتخيل أننى مسافر إليها، وأنقل إلى الحاضرين ما أشاهده فى هذه الدولة، ولم أتردد فى القول إننى سافرت إلى تونس ومنها إلى الجزائر ثم إلى المغرب، وسأقول لكم ما شاهدته فى هذه البلدان وبدأت لعبتى رغم أننى لم أزر أى منها حتى الآن.
شيئا ما كان يشدنى إلى بلاد المغرب العربى منذ صغرى، ولا أعرف هل هو بعد المسافات التى تزيدنا شوقا لمعرفة إخواننا فى العروبة، والحنين إلى معرفة طبيعة تلك البلاد التى كنا ندرس فى مناهجنا التعليمية المصرية الكثير عن معالم الجغرافيا والتاريخ فيها.
المهم أننى بدأت لعبتى مع الأصدقاء واخترت تونس، وبدأت من أكثر شخصياته ارتباطا بالوجدان المصرى والعربى وهو الشاعر أبو القاسم الشابى الذى رحل وهو ابن 25 عاما فقط، تاركا وراءه شعرا عظيما وسيرة مرض مؤلم تذكرنا بمرض زعيمنا الوطنى مصطفى كامل الذى مات شابا صغيرا ولم يثنه المرض عن النضال من أجل استقلال مصر من الاحتلال الإنجليزى.
قلت: أنا أمام تمثال أبو القاسم الشابى، ودون أن أعرف حقيقة ما حول هذا التمثال تخيلت أن هناك أشعارا وأقوالا له مما حفظناها فى مناهجنا الدراسية، ويحفظها عامة الناس، مثل: "إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر.. ولابد لليل أن ينجلى.. ولابد للقيد أن ينكسر"، ومثل مقولته عن مرض قلبه حين كان يشاهد من هم فى مثل سنه يلعبون ويمرحون لكنه عاجز عن المشاركة: "آه يا قلبى أنت مبعث آلامى ومستودع أحزانى، وأنت ظلمة الأسى التى تطغى على حياتى المعنوية والأدبية".
قلت مما قلته عن أبى القاسم الشابى إن والده جاء إلى مصر وظل يدرس سبع سنوات فى الأزهر حتى عاد إلى بلده حاملا إجازة الأزهر، وتحدثت عن جامع الزيتونة الذى ذهبت إليه بوصفه الجامع الذى كانوا يحدثوننا عنه فى مصر على أنه أزهر آخر، وقلت سمعت ممن استقبلونى فى الجامع أن الشيخ التونسى محمد خضر حسين الذى تولى مشيخة الأزهر من عام 1952 حتى عام 1954، حصل على تعليمه فى جامع الزيتونة، وجاء إلى مصر عام 1920 وحصل على جنسيتها، ثم حصل على شهادة عالمية الأزهر، وأخيرا أصبح شيخا له.
قلت: سألت الإخوة التونسيين من أى بلد تنحدر أصول شاعرنا العظيم بيرم التونسى، وسألتهم عن ذكرياتهم مع حفل سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى تونس، والذى حضره الآلاف يتقدمهم الرئيس التونسى وقتئذ الحبيب بورقيبة، وعن سر تألق هذه السيدة العظيمة وهى تغنى قصيدة الأطلال فى ستاد تونس.
كانت رحلة من الخيال فى زمن الصبا، أتذكرها دائما متسائلا: "لماذا أحب بلاد المغرب العربى؟".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة