منذ عدة سنوات أصبح النظام الحاكم فى مصر "ملطشة" لمن يساوى ومن لا يساوى "اللى يساوى واللى ما يساويش"، وبات معظم المصريين عرضة لمشاعر تقترب من الخجل لما تذيعه بعض الأبواق والفضائيات عن تخلى مصر عن دورها "العروبى" فى تحرير فلسطين، فيما يرى المصريون جميعا أن مصر قدمت الشهداء الأبرار دفاعا عن العرب وعن فلسطين وعن نفسها بصفتها مستهدفة لدفاعها عن العرب، ويرى المصريون جميعا أن مصر قدمت دفاعا عن فلسطين والعرب من الشهداء من فلذة أكبادها ما يزيد عددهم عن عدد سكان دولة عربية تفتح ماخور فضائيتها المشبوهة، والتى لا تبعد عن المكتب التجارى الإسرائيلى فى عاصمتها إلا بعدة أمتار، ليل نهار للنيل من كرامة وكبرياء المصريين، وجاء الإعلان عن بناء الجدار الفولاذى ليتخذه عملاء إسرائيل من العرب تكئة جديدة فى الهجوم على المصريين وليس على النظام الحاكم فى مصر فقط وفى نفس الوقت جاء الإعلان عن بناء الجدار الفولاذى تكئة جديدة لبعض المصريين فى المعارضة للنيل من نظام الحكم فى مصر، وانتقدت حركة حماس بناء مصر للجدار الفولاذى على حدودها الشرقية مع قطاع غزة، فى وقت أيد رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" الإجراءات التى تقوم بها مصر، واعتبر أن الأمر يتعلق بسيادتها. وقال فوزى برهوم المتحدث الحمساوى "إن غزة لا تشكل خطرا على مصر، بل إن الجدار الفولاذى يقام بإشراف وتمويل أميريكييْن"، ودعت الحكومة الفلسطينية المقالة السلطات المصرية إلى عدم اتخاذ أى إجراءات من شأنها زيادة الحصار وقال "طاهر النونو" الناطق باسم الحكومة المساوية المقالة إن حكومته عزمت على إجراء اتصالات رسمية بالقيادة المصرية لمعرفة ما يجرى فى إطار التحرك الدبلوماسى بخصوص هذه القضية، بالرغم من أن "النونو" قد شدد على سيادة مصر على أراضيها، إلا أنه قال: "نتطلع إلى عدم اتخاذ أى إجراءات من شأنها زيادة الحصار على أبناء شعبنا، بل نتطلع إلى إجراءات لإنهاء هذا الحصار... وأن قطاع غزة والشعب الفلسطينى بأكمله لم يكن فى أى يوم من الأيام ولن يكون مشكلا لأى خطر على الأمن القومى المصري... وأن العدو الحقيقى والمهدد للأمن لنا ولمصر الشقيقة هو العدو الصهيونى الذى يهدد أمن المنطقة برمتها ويحاول العبث فيه وزرع التوترات هنا وهناك"، ومن ناحية أخرى فإن رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" قد اعتبر أن الجدار الفولاذى المصرى هو أمر يتعلق بسيادة مصر كما قال لجريدة الأهرام المصرية، واتهم عباس بعض الأطراف بمحاولة نصب فخ للقيادة المصرية بهدف صرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية التى أدت إلى العدوان الإسرائيلى الأخير على القطاع واتخاذ معبر رفح سببا للهجوم على القاهرة، وقال الناطق باسم الداخلية الفلسطينية فى غزة "إيهاب الغصين" فى بيان صحفى أن وزارته تعمل على السيطرة على ما يقوم به مواطنون فلسطينيون من إطلاق النار على الحدود الفلسطينية المصرية، وقال المسئولون فى النظام المصرى بأن مصر تعزز الإجراءات الأمنية على حدودها مع غزة بعد تعرض معدات حفر لإطلاق النار من الجانب الفلسطينى لثلاثة أيام، ويرى الفتحاويون فى غزة أنهم محاصرون من حماس من ناحية ومحاصرون من إسرائيل من ناحية أخرى وأن الأنفاق دمرت وخربت كثيرا على اهل غزة حيث اغتنى تجار حماس من الأنفاق حيث يهربون البضائع من مصر ويبيعونها للفلسطينيين فى أسواق غزة بأضعاف ثمنها ومن ناحية أخرى فإن تجار السلاح فى حماس يهربون الرشاشات إلى الإخوان المسلمين فى مصر وأيضا بأسعار باهظة كما أن تجار المخدرات الإسرائيليين يستخدمون تجار المخدرات من بعض عملائهم العرب فى غزة لتهريب المخدرات إلى مصر.
ويقول بعض الخبراء إن "المشروع تم البدء فيه منذ 6 أشهر ويتم على مرحلتين الأولى من خلال وضع أجهزة لرصد إحداثيات الأنفاق والثانية بناء الجدار الفولاذى نفسه وأن الألواح التى تستخدم فى بناء الجدار صنعت فى أمريكا ووصلت إلى مصر عن طريق ميناء بورسعيد ونقلت فى شاحنات مغطاة إلى رفح وأن طول اللوح المعدنى الواحد نحو 18 مترا وعرضه 50 سم وسمكه 5 سم ومصمم جوانب اللوح الواحد بطرقة فنية بحيث يتم تركيبه مع اللوح الآخر بنظرية المفتاح والقفل، وأن الجدار سيكون بطول تسعة إلى عشرة كيلومترات وبعمق يتراوح بين 20 و30 مترا تحت الأرض بحيث يصعب إحداث فتحات فيه حتى لو بالصهر...وقبل ظهور مشروع الجدار الفولاذى للوجود فقد خضعت المنطقة الحدودية لإقامة عدة منظومات أمنية منها كاميرات عملاقة لرصد الحركة بالمنطقة الفاصلة بين الرفحين المصرية الفلسطينية ومن ثم وضع مجسات حديدية للكشف عن الأنفاق الأرضية ومع فشل هاتين المنظومتين ولجأت السلطات المصرية إلى زرع مواسير حديدية عملاقة على طول الشريط الحدودى مزودة بفتحات سفلية وعلوية وتم غمرها بالمياه لتدمير الأنفاق التى تعتبر بمثابة الرئة الاقتصادية لسكان قطاع غزة المحاصر، ولكن كافة المنظومات الأمنية التى أشرفت عليها وفود أمريكية ويابانية ومكسيكية باءت بالفشل أمام التحدى الذى يبديه التجار العاملون بالأنفاق فى كلا الاتجاهين من خلال التغيير والتبديل السريع للأماكن التى يقيمون بها أنفاقا جديدة وأن الكونجرس الأمريكى قام مؤخرا بمنح مصر مبلغ نحو 50 مليون دولار لتنفيذ خطط من شانها كبح جماح التهريب والمهربين عبر الأنفاق من مصر إلى قطاع غزة ومن قطاع غزة إلى مصر، وقد تم تنفيذ الخطة الأولى على مرحلتين واشتملت على تركيب أجهزة للكشف عن الأنفاق وهى أجهزة جيولوجية ذات تقنيات عالية فى الكشف عن الصوت والحركة فى باطن الأرض وعلى أعماق كبيرة، فبدأ العمل فيها منذ عام تقريبا وأوشكت على الانتهاء وهى عبارة عن وضع أجهزة" sensor "حساسة لا تزيد فى حجمها عن قبضة اليد ويتم إنزالها فى باطن الأرض بطول المنطقة الحدودية عن طريق كابل إلكترونى على أن يتم وضع مواسير حديدية أولا على عمق يصل إلى 15 مترا وتثبيتها ثم يتم إنزال الكابل والـ""sensor على مسافات متقاربة بطول خط الحدود وكل كابل أو "السينسور" يرتبط بلوحة الكترونية وجهاز كومبيوتر لاستقبال أية إشارات يستقبلها "السينسور" فى حال حدوث صوت أو حركة داخل نفق يتم تسجيل إحداثياتها على شاشة الكومبيوتر وطبع تقرير تفصيلى عن مصدر الصوت والحركة الواردة من أى نفق وإحداثية النفق بدقة كبيرة سواء كانت عملية حفر نفق جديد أو عملية تهريب تجرى داخل أى نفق من الجانب الفلسطينى إلى الجانب المصرى ترصدها هذه الأجهزة بدقة شديدة، ويتابع عمليات رصد ونتائج هذه الأجهزة أربعة مهندسين عسكريين أمريكيين يقومون على الفور بإبلاغ الجانب الإسرائيلى بإحداثية النفق ومكانه وتوقيت عمليات التهريب بداخله ويؤكد البعض على أن السلطات المصرية قامت بمصادرة جميع الأراضى التى يبنى فيها هذا الجدار وتم تعويض المواطنين المصريين أصحاب الأراضى والمزارع المطلة على المنطقة الحدودية بمبالغ مالية وتم قطع مئات الأشجار بهذه المنطقة لإتاحة الفرصة لبناء هذا الجدار الحديدى مع منح المزارعين مبلغ 150 جنيها مصريا كتعويض عن كل شجرة مثمرة تم اقتلاعها ويشرف العسكريون الأمريكيون على بناء هذا الجدار وتقوم وفود عسكرية أمريكية بزيارة المنطقة الحدودية بشكل مستمر لمتابعة تنفيذ هذا المشروع الذى بنى حتى الآن وغطى منطقة حى السلام الحدودية وجارى استكمال بناء الجدار الحديدى بمناطق حى البرازيل وصلاح الدين وحى البراهمة والجبور والهدف منه تعجيز حماس فى حفر الأنفاق والخروج بفتحات للنفق على الجانب المصرى. ويؤكدون على أن المسافة الواصلة بين المنطقة التى بنى فيها الجدار الحديدى والجدار الخرسانى ستبلغ حوالى من 70 إلى 100 متر، وأصبحت منطقة مكشوفة للأمن المصري، وفى حالة خروج إى فتحة للنفق قبل الجدار الحديدى ستكون فى قبضة الأمن المصرى.
والآن هناك سؤال هام وجوهرى يفرض نفسه: هل هذا الجدار الفولاذى مجرد إجراء لا جدوى منه وأنه لن يغير من حقائق الأرض شيئا، مع التأكيد على أن "عمليات التهريب عبر الحدود المصرية لا يمكن منعها بشكل نهائى؟ والكل يعرف أن عملية تأمين حدود أية دولة بشكل كامل أمر غير موجود على أرض الواقع، فالولايات المتحدة مثلا، بكامل قدراتها العسكرية والتكنولوجية لم تستطع منع المتسللين عبر حدودها مع المكسيك، ومازالت تعانى من عمليات تهريب المخدرات والسلاح، وكذلك دول كثيرة ، ومن ثم فإن عملية عبور الحدود ليست صعبة كما يتخيل البعض من فقهاء النظام الحاكم فى مصر، كما أن التهريب من وإلى غزة لن يتوقف كما يحاول البعض تصوير ذلك"، وأنه يتحتم على النظام المصرى الحفاظ على أمن حدود الوطن بالعمل الحقيقى لحل الصراعات الإقليمية حلا عادلا يرضى كل الأطراف لفرض السلام العادل والشامل على رقاب الجميع، لكنه من المؤكد فإن أمن حدود الوطن- أى وطن- يبدأ من الداخل أولا بدلا من بناء الجدران الفولاذية تحت الأرض وفوق الأرض بين أنظمة الحكم وبين المواطنين أنفسهم فى الوطن الواحد.
* كاتب وروائى مصرى