رحل الكاتب الصحفى الكبير يوسف الشريف يوم الخميس الماضى، فحرمنى من نصائحه العظيمة المهنية، والإنسانية، التى لم يبخل فى تقديمها لى فى السنوات الأخيرة.
منذ ما يزيد على عشر سنوات مضت، أخذت على نفسى عهد الاقتراب من كبار الصحفيين الذين ساهموا فى الارتقاء بمهنة الصحافة، وعاصروا أحداثًا سياسية كبرى، وبعضهم كان طرفًا فيها.
وكان يوسف الشريف واحدًا من هؤلاء الذين اقتربت منهم، فزودنى بكثير من المعرفة، ولم يكتفى بذلك بل كثيرًا ما قدم لى اقتراحات صحفية مدهشة، وساعدنى فى تنفيذها باتصالات منه مع مصادرها، وقام فى ذلك بإقناع صديقه الدكتور ممدوح البلتاجى وزير السياحة السابق بالخروج عن صمته، فأجريت معه حوارًا كشف فيه عن مذكراته التى كتب جانبًا كبيرًا منها، ولم يكتف الشريف بإقناع البلتاجى وفقط، وإنما حضر معى الحوار، وكانت مداعباته، وخفة دمه المعهودة سبيلا إلى فتح شهية البلتاجى للحديث.
اشتهر الشريف بقدراته الفائقة فى فهم القضية السودانية، والقضية اليمنية، وكان من أبرز الصحفيين المصريين ارتباطًا بالقيادات السياسية فى البلدين..
وعبر أكثر من أربعين زيارة قام بها إلى اليمن منذ ستينات القرن الماضى، وأكثر منها إلى السودان، قدم اجتهاداته فيما يتعلق بالبلدين، ووضع خلاصة شهاداته عنهما فى كتابين رائعين الأول :" السودان وأهل السودان"، والذى قال عنه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل:" إنه من أهم الكتب التى صدرت عن السودان"، وكذلك كتابه "اليمن" والذى يصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن مساندة عبد الناصر للثورة اليمنية.
لم يصرف اهتمام الشريف بالسودان واليمن عن اهتمامه بما يمكن تسميته بالتأريخ الشعبى، والذى شمل تناول سير شخصيات هامة مثل الكاتب والشاعر الراحل كامل الشناوى، والذى يكشف فيه عن سر تأليفه قصيدة "لاتكذبى" التى كانت طرفها الفنانة الكبيرة "نجاة" وتغنت بها، كما تناول سيرة الشاعر عبد الرحمن الخميسى فى كتاب بعنوان "عبد الرحمن الخميسى .. القديس الصعلوك "، بالإضافة إلى كتابه "صعاليك الزمن الجميل"، وهو الكتاب الذى تحدث فيه عن الكاتبين الكبيرين محمد عودة، ومحمود السعدنى، وآخرين.
أما كتابه الجميل:" مما جرى فى بر مصر" فيروى فيه حكايات جميلة عما رآه فى زمن الفتوة، وقصة مشاهدته لجمال عبد الناصر وهو شاب صغير قبل قيادته لثورة يوليو عام 1952.
زودنى يوسف الشريف بكل مؤلفاته وعليها إهداءات جميلة منه أحملها وسامًا على صدرى، وحين أجريت معه حوارًا عن رحلته مع مرض السرطان وكيف استطاع أن يقاومه بالأمل والسخرية، لم أنس قوله لى إنه فى إحدى مرات توجعه، وبعد أن قال :" آه .. آه " بدا الانزعاج على زوجته وشقيقته، فأكمل توجعه بالقول :" آه .. آه .. يالالا لى"، فانقلب الموقف إلى ضحك هيستيرى من الجميع.
رحم الله كاتبنا الكبير.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة