هل وقفت يوما وتأملت وجه جندى أمن مركزى على كوبرى 6 أكتوبر أو أمام بنك أو وزارة ؟.. وهل سألت نفسك عما يفكر فيه فى تلك اللحظة.. ربما يتصور كثيرون أن كل الجنود بملابسهم السوداء متشابهون.. مع أنهم بشر داخل كل منهم طموحات.. يحلمون بأن يمتلكوا جزءا من ثروة يحرسونها، يشاهدون رجالا ونساء لامعى الوجوه.
عسكرى يقف زنهار فى الصيف، وتحت المطر، إذا اقتربت من أى منهم سترى ابتسامة وطيبة الفلاح ومخاوفه. ليسوا كلهم أحمد سبع الليل أو أحمد زكى برؤية عاطف الطيب فى البرىء. لكن داخل كل منهم شيئا منه، شهامة، وجدعنة، وأحلام تتجاوز ضيق مكان مظلم ينامون فيه.
لا أحد اقترب من هؤلاء الجنود وتأمل وجوههم التى قد لاتخلو من وسامة، تخفيها ملابسهم التقليدية، وتشابههم مع كثيرين.
هؤلاء ليسوا أرقاما ولا كائنات رمزية، بل هم بشر لهم قلوب ولديهم أحلام.. ينتظر الواحد منهم إجازته القصيرة ليحتضن زوجته وأطفاله، أو يلقى برأسه على حجر أمه لتعبث له فى شعره. يتمنى أن ينهى فترة تجنيده وربما يشتاق لاصطحاب زوجته فى نزهة على كورنيش النيل، الذى يحرسه، أو يمشى فى نهر الشارع الذى يقف فيه بظهره فى التشريفات التى بلا نهاية.
هؤلاء العساكر المصريون جدا الحالمون جدا البسطاء الذين ربما لايجيدو الفقراء والكتابة لهم قلوب من بفتة بيضاء.. وفى أيديهم مفاتيح مصر.
هؤلاء الطيبون لا يحصلون على حقهم ينحشرون فى أوامر وتعليمات من قادة، هم أيضا مأمورين، يرون فى الجنود أدوات لتنفيذ الأوامر الأعلى.. دون أن ينشغلوا بأحلام صغيرة، أو طموحات بسيطة جدا.
هم أدوات فرض النظام وقمع المظاهرات ومنظرهم بالعصى والخوذات والدروع التى تخفى ثير من العناصر الإنسانية، هم آخر من يأكل وآخر من ينام.. وأول من يموت.. برصاص الإرهاب ،وهم الذين يفرغ البعض همه فيه ويعتبرها رمزا.
يوما ما كانت المظاهرة احدى المظاهرات امام نقابة الصحفيين ، وتحرك الجنود بالأمر ليحاصروا المظاهرة، بتشكيلات تمنع اتساع المظاهرة. فجاة وبلا مقدمات اخطتفت احدى المتظاهرات خوذة الجندى من فوق راسه والقتها بعيدا ، وعندما حاول الجندى الامساك بخوذته ضربته بالقلم على وجهه ، الذى تقلص بكل انواع الغضب، ولولا أن أحد قادته تحرك وسحبه من الطابور، ربما كان الجندى فتك بالمتظاهرة التافهة.. المشهد أثار غضب المتظاهرين، الذين تعاطفوا مع الجندي، وكان المشهد احد عوامل انتهاء المظاهرة. وبدت عيون الجندى حمراء ،و لسان حاله يقول انه لولا البدلة الميرى لمزقتك.
هؤلاء الجنود يتحملون اخطاء السياسة، اخطاء الفقر والطائفية والتعصب.والظلم.. عندما يفرقون مظاهرة مصنع طرد عماله، او فى قلعة الكبش او الدويقة. التى ربما كان احدهم يعيش فى مثل هذا المكان، ويشعر بما فى قلوب الناس من غضب، ورجل المطافى الذى يموت فى الحريق او تسقط عليه كتل الخرسانة وهو يحاول انقاذ طفلة او شيخ. وجندى حراسة على بنك لايمتلك منه شيئا.
من هؤلاء الجنود يبدا الإصلاح، ان تكون حياته أكثر راحة، ويكون اكثر تدريبا وتعليما يحصل على الثقة فى مواجهة الكبار، هؤلاء الجنود لديهم ارتباك امام مدعى السلطة، ربما لايجرؤ عسكرى المرور على ايقاف سيارة فخمة بدون ارقام، بنفس شجاعة التصدى لسيارة اخرى سليمة. هؤلاء معذورين لانهم يتعرضون للقمع حتى يصبحوا قادرين على القمع. العسكرى رمز للضابط المنهمك فى لجنة او حملة ، يتعرض للقتل، او ينام واقفا فى الشارع. هؤلاء فى ايديهم مفاتيح الاصلاح. لانهم اول من يدفع ثمن التسلط والقهر والظلم والفقر والجهل والمرض. بلا مقابل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة