كتبت عن الكاتب الصحفى الكبير يوسف الشريف فى اليوم التالى لوفاته، وكلما عدت إلى ذكرياتى معه واطلاعى على مؤلفاته أرى أن مقالا واحدا لا يكفى، فهو نموذج لكاتب صحفى لم يرتكن إلى اهتمام واحد فى تاريخه الصحفى، فهو ممن غاصوا فى القضايا العربية بعمق لافت، حيث اقترب من الثورة الفلسطينية وقادتها منذ انطلاقها فى منتصف الستينات من القرن الماضى، واقترب أكثر من الشأنين السودانى واليمنى حتى صار أحد الخبراء المعدودين فى شئون البلدين.
ومع اهتمامه بالقضايا العربية كان الشريف مؤرخا وجدانيا للظرفاء الذين اقترب منهم فى حياته مثل الشاعرين كامل الشناوى ومأمون الشناوى والكاتب والفنان والشاعر عبد الرحمن الخميسى والكاتب محمود السعدنى والكاتب محمد عودة وآخرين، وبالإضافة إلى اقترابه من هؤلاء كان هو الآخر ضمن مملكة الظرفاء الحكائين، فإن تحدثت معه تجد داعبته تسبقه ونكتته حاضرة، وقفشاته فى موضعها تماما، وعن مجمل كل ذلك أكتب وأبدأ بـ"يوسف الشريف.. ساخرا".
مات يوسف الشريف بمرض السرطان الذى داهمه منذ عام 1998 ، لكن سيرته مع هذا المرض كانت واحدة من حكايته الساخرة التى رواها لى ليدلل على أنه يمكن للإنسان أن يهزم المرض أو على الأقل يتعايش معه، ولهذا تعايش معه ما يزيد عن 11 عاما ساخرا منه، حكى لى أنه حين أبلغه الطبيب بحقيقة مرضه وأنه لابد من أن يتناول جرعات الكيماوى فسأل الطبيب: "هى الحكاية دى مش هتخلينى أتأهل؟"، رد الطبيب متسائلا: "يعنى إيه تتأهل يا أستاذ يوسف؟"، فقال: "يعنى أتجوز يا دكتور"، فانقلب بعبع المرض إلى سخرية منه وهات يا ضحك من الطبيب والذين كانوا فى رفقة الأستاذ يوسف.
استمر يوسف الشريف فى تعاطى جرعات الكيماوى لفترة طويلة أدت إلى تساقط شعره ونحول جسده وتحسنت حالته فيما بعد، ولما سألته عن السبب أجاب: "قال لى الطبيب احنا جربنا كل شىء، ولم يعد هناك إلا نوع من الدواء فى أمريكا يتم تناوله على 8 مرات، وبالفعل أحضرت الدواء وبعد تناوله 6 مرات اختفى المرض، والمرض لم يختف فقط، وطلع الشعر تانى وبعد ما كان أبيض بقى أسود.. يعنى بقيت شباب يا واد يا سعيد".
كانت السخرية السابقة واحدة من مواقف ساخرة أخرى منها ما حدث معه أثناء توجعه فى نوبة مرضية قائلا: "آه.. آه"، فلاحظ انزعاج زوجته وشقيقاته فأكمل توجعه ساخرا: "آه.. آه.. يالا للى" فانفجر الكل فى الضحك.
أمده المرض بتوحد نفسى قال عنه: "تصدق ان المرض يأتينى بخفة دم، وكلما كنت وحيدا احتضن نفسى، وأحب نفسى ولا ينقطع حوارى مع الله فتأتينى الأحلام المحببة.. جاءنى عباس الأسوانى فى الحلم بعد أن أصدر ابنه علاء روايته "شيكاغو"، فقلت له أهلا يا عباس ابنك علاء كتب رواية جميلة.. أما محمد عودة فجاءنى مرتديا بدلة بيضاء وكرافتة حمراء، ويجلس فى شقة واسعة كان يتمناها فى حياته حتى تتسع لمحبيه الذين لا ينفضون من حوله كل ليلة .. رأيت فى المنام محبى عودة يلتفون حوله ويتحدثون معه بحب، ويقول لى: شوف يا يوسف منى (زوجة عودة) بتجهز الأكل فى المطبخ، كان هذا الحلم كما يقول يوسف تعويضا عن أن عودة مات دون أن يودعنا نحن الذين أحببناه.
جاء كل الظرفاء والصعاليك الذين أحبهم يوسف الشريف إليه فى الحلم ليسألوه عن صحته فكان يرد عليهم: "أعيش الحياة لأرد لكم بعض الدين الذى أحمله فى عنقى لكم".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة