لكى تدرك أن مسألة الأحزاب السياسية فى مصر نكتة بايخة، وتكون على يقين أنه لا أمل فى تغيير أو إصلاح قد يأتى من داخل هذه الأحزاب، فلابد أن تقرأ وتتدبر السطور القليلة القادمة..
البند الأكثر كوميدية فى مسألة الأحزاب المصرية هو برامجها، ليس فقط بسبب تشابهها أو عدم واقعيتها ولكن بما تتضمنه من طرائف، وما ينتج عنها من مواقف، بمعنى أنه لو كان أى حزب من هذه الأحزاب يمتلك برنامجا فكريا وسياسيا محترما، لم نكن لنسمع ما سمعناه من رؤسائها الذين شاركوا فى انتخابات الرئاسة الماضية فى 2005 لأن البرامج السياسية المحترمة لا تقول أبدا إن الدولة سيتم بناؤها بعودة عسكرى الدرك أو الطربوش الأحمر التى نادى به الراحل أحمد الصباحى رئيس حزب الأمة، أو العجرودى رئيس حزب الوفاق القومى الذى قال إنه سيحل مشكلة البطالة بصنارة الصيد، أو توزيع 100جنيه على كل مواطن كما أراد أسامة شلتوت رئيس حزب التكافل، أو بقية الأفكار الغريبة التى طرحها رؤساء الأحزاب خلال فترة الانتخابات وتحولت إلى نكت يتدوالها المصريون فى الشوارع. الغريب والأعجب أن الإطار الفكرى والبرامجى لمعظم هذه الأحزاب يسير فى نفس الفلك، والأغرب أنه الفلك الاشتراكى، فعندك مثلا حزب الأمة هو طبقا لبرنامجه حزب إسلامى اشتراكى هدفه الأول تغيير اسم جمهورية مصر العربية إلى جمهورية مصر العربية الإسلامية، ويطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، ومع ذلك فهو حزب موجود بشكل قانونى، بينما تخشى الحكومة والناس من الإخوان بحجة أنهم حزب دينى سيطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية مع أن حزب الأمة يطالب بتطبيقها حرفيا فى الاقتصاد والسياسة والجانب الاجتماعى أيضا. حزب مصر العربى الاشتراكى هو أيضا يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية مع إلغاء تراخيص نوادى القمار والملاهى الليلية التى تمثل بؤر فساد لشباب مصر، حزب الشعب الاشتراكى الذى رفع شعار اشتراكية تعاونية ديمقراطية حاجة كده مضروبة فى خلاط.. هو أيضا عاوز يطبق الشريعة ويدعو إلى الحفاظ على المكاسب الاشتراكية، وحزب مصر 2000 لا مذهب صريح له ولكنه يميل نحو الاشتراكية ويهدف إلى تنمية القطاع الخاص عبر تشجيع إنتاج ربات البيوت. أما حزب الوفاق القومى فيميل نحو النظام الاشتراكى ويرفع شعار عبدالناصر، وطبعا الناصرى والتجمع يحافظان على المكاسب الاشتراكية بالفطرة أحيانا والكلام غالبا! أما حزبا الخضر والاتحادى الديمقراطى فيرفعان شعار اقتصاديات السوق ودور النظام الخاص وسياسة الانفتاح. عموما اطمئن على الآخر.. لأنك ستجد فى برامج الأحزاب الصغيرة هذه الكثير من الافتكاسات، البعض يريد مجلس النواب وليس مجلس الشعب وآخرون يبحثون عن العودة إلى تجربة الخديوى إسماعيل أو دار للمشورة.
وللمزيد من عبقرية التقدم الحزبى فى مصر يمكنك مطالعة التالى:
- حزب الأمة كان يرأسه الراحل الحاج أحمد الصباحى ونائبه ابنه سمير أحد الصباحى وكأنها ورشة عم الحاج أحمد وولده.. وبعد رحيل الحاج أحمد هناك خناقة كبيرة بين الورثة على كرسى الحزب..
- حزب الاتحاد الديمقراطى كان مثل الورث بالضبط حيث خلف إبراهيم ترك والده محمد ترك فى رئاسة الحزب بعد وفاته، ولولا أن أبناء إبراهيم ترك صغار لكان فعل معهم نفس الأمر بعد وفاته، ولكن قانون الأحزاب لا يسمح لطلبة الابتدائى بوراثة الأحزاب.
- حزب التكافل الاجتماعى يرأسه الدكتور أسامة شلتوت ونائبه زوجته وفى نفس الوقت هى أمينة المرأة وشقيقها أمين عام الحزب وصهره أمينا مساعدا للحزب وابنه أمين الصندوق والابن الآخر أمين الشباب وحتى سائقه عينه أمين العمال، وورد ذلك فى دعوى رفعها عبد مغربى ضد شلتوت ولم يرد شلتوت ولم ينف.
- الحزب الوطنى الديمقراطى فيه السيد رئيس الجمهورية زعيما للحزب وابنه جمال مبارك أمينا عاما للجنة السياسات.
- من يصل لكرسى رئاسة الحزب فهو مخلد وكأن هناك بين جلد الكرسى وجلده علاقة ما فعندك ناس تعدت 25 سنة فى رئاسة الحزب ثم رحلت بطلوع الروح مثل خالد محى الدين فى التجمع وإبراهيم شكرى فى العمل وناس مستمرة وتخطت حاجز الربع قرن مثل الرئيس مبارك فى الحزب الوطنى وناس أخرى كادت أن تصل لرقم الربع قرن مثل مصطفى كامل مراد فى حزب الأحرار، ولكن القدر لم يمهله وضياء الدين داوود داخل على 15 سنة.. امسكوا الخشب.
- غالبا ما يكون الموت هو السبيل الوحيد لأى عملية تغيير فى الأحزاب المصرية.. عزرائيل هو الحل.
- تستخدم لجنة شئون الأحزاب المصرية أشد المصطلحات المطاطية الموجودة على وجه الأرض لرفض إنشاء أحزاب جديدة أو تجميد أحزاب قائمة وشطبها مثل المصطلح الشهير أوى جدا خالص "المصلحة القومية" واللى يعرف للمصطلح ده آخر يقول!
- الحياة الحزبية فى مصر شهدت سابقة هى الأولى من نوعها تاريخيا وحاضرا ومستقبلا وهى أن يقوم رئيس الجمهورية باختيار معارضيه وتحديد أسماء الأحزاب وأعضائها، فالسادات هو الذى وضع قانون الأحزاب وهو الذى أعطى لخالد محى الدين التجمع وهو الذى أعطى لإبراهيم شكرى حزب العمل واختار له 20 عضوا من حزبه ليستكمل النصاب القانونى.
- من عام 1976 حتى عام 2010 أى منذ بداية التجربة الحزبية والحزب الوطنى الديمقراطى هو الحزب الحاكم ولم يشاركه أى حزب الحكم حتى ولو على سبيل الترضية أو حتى على سبيل الشراكة الوهمية.
- على مدار السنوات الماضية نحن البلد الوحيد الذى تعيش لأحزابه مأساة بشعة، فالمقرات الرئيسية للأحزاب مبانٍ عفا عليها الزمن بعضها ينتظر قرار الإزالة وبعضها عبارة عن مكتب وحمام حتى الحزب الذى يرفع البيئة شعارا له وهو حزب الخضر موقعه ومقره خير إساءة للبيئة نفسها.
- بيانات الأحزاب المصرية عن أموالها وأعضائها من الأسرار العسكرية غير المعروفة وللأحزاب كل العذر لأنها بكل تأكيد أرقام تكسف.
- نحن البلد الوحيدة التى قام فيها رؤوساء الأحزاب المعارضة بإعلان تأييدهم لرئيس الجمهورية المفترض فيه أنه خصمهم الأول.
- الحياة الحزبية فى مصر شهدت معركة البلطجة الأولى فى العالم فلم نسمع عن ضرب نار وحرق مقر حزب واستخدام سنج ومطاوى سوى فى معركة حزب الوفد الشهيرة التى لم يتدخل ضابط شرطة واحد لفض الأزمة حتى ولو على سبيل حفظ الأمن العام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة