بالرغم من مشاعر الحشد والشحن التى تدور بين الجانبين المصرى والجزائرى، لكننا نلاحظ هذه المرة أن النعرات العرقية اختفت، وحل محلها شعور عادى لمشجعين يتعصبون لفرقهم. ولا مانع على الإطلاق من أن نتعصب تعصبا طبيا، حتى يمكننا تجاوز مباراة فى الكرة، إلى حرب بلا اتجاه. أعرف أن مشاعر بعض هواة الشحن ساخنة وأقدر غضب البعض هنا أو هناك، لكن أظن أنها مشاعر بلا هدف ولا طائل.
وفى المرة السابقة تذكرت ما كان كبراؤنا ينصحوننا به، ونحن عيال عندما نتطرف فى اللعب ويصل الأمر إلى التشابك فيخرج كبير ليقول لنا "العبوا مع بعض"، ولا أعرف لماذا انتقل السادة المتعصبون من الكرة إلى التاريخ، وكل واحد يستدعى حوادث ومصادمات قديمة يفترض أنها انتهت بنهاية المباراة. لا يريد هؤلاء نسيان تفاصيل لمصادمات يفترض أنها عادية خالص علقة هنا واعتداء هناك، ستجد لدى الجزائريين ذكريات عن أشياء مصرية يرونها سيئة، والأمر نفسه لدى المصريين. وكل فريق ينظر إلى الأمر من رؤيته هو وبطريقته هو تأثير الإعلام وليس غيره.
وكل إعلام فى بلد يحرص على أن يقدم أدلة على أن فريقه هو الذى تعرض للظلم، والجزائريون يتصورون أن المصريين بدءوا والأمر نفسه بالنسبة للمصريين، وربما كانت هناك صيغة لأن يفوز الطرفان، طبعا هذا غير منطقى، لأن المباراة تنتهى عادة لصالح فريق واحد.
هناك إمكانية أن يرفع المصريون شعار "أشجع مصر وأحب الجزائر"، والجزائريون يرفعون شعار"مع الجزائر وأحب مصر"، ساعتها أتصور لو فاز المصريون على الجزائر وارتضى الجزائريون الأمر، وهنئوا المصريين يمكن أن ينتهى الأمر، وسوف تحظى الجزائر بمشجعين مصريين فى كأس العالم، كما جرت العادة، وإن كنت أتمنى أن يفوز فريقنا الوطنى، فإننى ربما سأحزن لو خسرنا حزنا عاديا ينتهى بنهاية الليلة، ولن أشعر بأى غصة، وهو الشأن الطبيعى مع الناس الطبيعية، ولا أحتاج لأن أذكر الجميع بأنها مباراة. أتمنى ألا يتطور الأمر إلى شىء أسوأ مثلما حدث فى السودان والقاهرة، ولا أتوقف مثل بعض الأصدقاء القراء من الطرفين الذين وأرادوها حربا فى التاريخ بينما الكرة لاعلاقة لها بالتاريخ، فمصر والجزائر كلاهما ليستا دولا متقدمة، وإن كانت لدى كل منهما طموحات فى التقدم، ولدى جمهور الفريقين الفرصة ليوجه مشاعره إلى مطالبة بالإصلاح، ومواجهة الفساد والبطالة والتخلف.
ليس فى الأمر مثالية إذا قلنا للفريقين وقبلهما المشجعين "العبوا مع بعض"، وأذكر السادة المشجعين أن يشجعوا فى مباراة وليس فى حرب، فلدينا بين جمهور الأهلى والزمالك صراعا تاريخيا فى الكرة لم ينته أبدا، ولم يتوقف من سنوات، ويكاد يصل إلى درجة التصادم، لكنه لم ينته إلى حرب أهلية.
لقد اخترع الإنسان المباريات بديلا عن الحروب، ونعرف جميعنا قصة الملك الذى عاش عمره فى حروب، ولما أراد أن يستريح طلب من حكيمه أن يخترع له شيئا يغنيه عن الحرب فاخترع له لعبة الشطرنج. فصارت الرياضة هى البديل الحضارى عن الحرب، وإن كانت الحروب لم تتوقف، بفضل الطامعين والمتعصبين والمشاعر التوسعية والعدوانية، وعرفت كل من مصر والجزائر الاستعمار، وتحررت منه، ونريد أن نتحرر من بقايا استعمارية تفرق وتشحن وتنشر الكراهية، فلنعتبر كل مباراة بديلا للحرب يلعب فيها كل فريق بكل جهده يحرص على الفوز، فإذا كسب يفرح وإذا خسر عليه أن يقتنع أنها مباراة.
ومن أيام المباراة الأولى وما بعدها وأنأ أحاول تذكير نفسى ومواطنى بأن الجزائر بلد شقيق، وأن مصر والجزائر تحتاجان بعضهما فى مواجهة العالم الذى يحتاج إلى معارك دبلوماسية فى مجلس الأمن والأمم المتحدة لا يجوز أن تظل العلاقة متهافتة، وحسنا فعل بعض المسئولين بمصر الذين اعتذروا لجزائر عن محاولات صبيانية لإلغاء أسماء الجزائر من شوارع مصرية أو محاولات جزائرية لفعل ذلك، مع أن اسم الجزائر لم يوجد على شوارع مصر فى مباراة، بل فى حروب وعلاقات مصيرية، لقد حزن الجزائريون بعد هزيمة يونيو 76 بشكل جعلهم يرتدون الحداد، وتعاطف المصريون مع الجزائر طوال الوقت، كان عصر الكبار وعلينا ألا ننسى كل هذا بسبب 90 دقيقة تذهب وتجىء، وأظن أننى أقدر مشاعر بعض المصريين والجزائريين الذين أخذوها على قلوبهم واعتبروها حربا، لكنى لا أتصور كل هذا الغل والحقد والشحن والدعوة للحرب، وهو موقفى من اللحظة الأولى لقد رفضنا أى إساءة لشهداء الجزائر، أو للفن والحضارة المصرية لأننا نظن بلا أى ادعاء أن الفن والثقافة فى مصر والجزائر والشهداء هم وحدهم الذين قدموا كل ما هو يدعو إلى الفخر.
فليشجع المصريون فريقهم وليفرحوا بالفوز ويحزنوا للخسارة، وليفعل الجزائريون الشىء نفسه. ويتجاهلوا من يريدونها حربا ليحققوا الأرباح، ويشغلوا الغاضبين عن رؤية الفساد والإحباط والتسلط.