لا يجب أن تجرجرنا مشاعر الفوز الكبير على المنتخب الجزائرى إلى أرضية التشفى والانتقام، فكرة القدم مثل أى رياضة لابد أن يكون فيها المنتصر والمهزوم، وإذا كنا هذه المرة حققنا هذا الفوز الاستثنائى، فمن الوارد جدا أن ننهزم مرة أخرى، فهذه هى طبيعة الأمور.
ثم إن الهزيمة لا تعنى أبدا، وخاصة فى الرياضة، أن نترك أنفسنا لمشاعر كراهية وعداء، بل هى تدفعنا إلى أن نبحث عن أسبابها، ونتجاوزها، فكرة القدم مثل أى نوع آخر من الرياضة، ليست فقط مجموعة أفراد يلعبون، وليست فقط مواهب فردية، ولكن كل ذلك فى النهاية نتاج لمؤسسات تعمل ونتاج لمجتمع يتطور أو يتخلف، وبالتالى فالهزيمة، أى هزيمة، هى فرصة استثنائية لتحقيق نجاح كبير.
بل دعنى أقول إن الهزيمة حتى فى حروب الدول مع بعضها، وما تنتجه من قتلى ودمار يتجاوزها البشر، رغم صعوبة ذلك ورغم أنها جروح تأخذ وقتا طويلا حتى تلتئم، ولكن فى النهاية يتم تناسيها وصولا إلى مصالح أهم، تبنى مستقبل أفضل لأولاد القاتل والقتيل. ودعنا نأخذ ما حدث فى أوروبا، فدول هذه القارة خاضوا ضد بعضها البعض حربين عالميتين، راح ضحيتها ملايين الأرواح، ورغم ذلك وحدتهم المصالح المشتركة من أجل مستقبل مشرق لهم جميعا.
هذا ليس استثناءً، ولكنه حدث فى مناطق كثيرة فى العالم. فالشعوب التى كانت مستعمرة على سبيل المثال، ونحن منها، تجاوزت التخريب والنهب الذى مارسته قوى استعمارية دفاعا عن مستقبلها، وبنت علاقات مع الحكومات الجديدة لهذه الدول على أرضية مختلفة. فلا يوجد الآن على سبيل المثال عداء مصرى تجاه بريطانيا التى كانت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.
ثم إن الإنسان فى اعتقادى اخترع الرياضة بكل أنواعها، لتفريغ طاقة العنف الإنسانى فى مسار غير مؤذ لأحد، إنها معالجة حضارية، وكأنها بديل عن الحروب وحتى النزاعات الفردية.
إن الانتصار ليس فى تحقيق الفوز فقط على الخصم، بل وكما قرأت لكاتب كبير للأسف لا أتذكر اسمه، "الانتصار الأكبر هو فى أن تجد الطريقة الإيجابية للتعامل مع المهزومين".
وأظن أننا بحاجة شديدة لفعل ذلك مع إخواننا الجزائريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة