بعد أسابيع قليلة من فوز المفكر الكبير الدكتور جلال أمين بجائزة العويس "الإماراتية"، فاز الباحث والكاتب المرموق الصديق الدكتور عمار على حسن بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن كتابه: "التنشئة السياسية للطرق الصوفية فى مصر"، وما يلفت الانتباه أولا فى الجائزتين أنهما من دولة الإمارات العربية، أى أنهما تأتيان من دولة عربية لكاتبين من مصر، فى وقت يتلذذ فيه البعض من أحاديث الكفر بالعروبة، وأن على مصر أن تبحث لها عن أى هوية أخرى.
حصل الدكتور جلال أمين على جائزة العويس التى تحمل اسم رجل قدم الكثير إلى الثقافة العربية، وأوقف من ماله الخاص جائزة حملت اسمه بعد رحيله وقدمت خدمة جليلة للثقافة العربية ورجالها، أما الجائزة الثانية فتحمل اسم زعيم عربى راحل له محبة وتقدير لدى كل إنسان عربى، لما قدمه لأمته من خدمات جليلة، ويحمل له المصريون على وجه الخصوص محبة زائدة لحبه الشديد لمصر.
وكتبت سابقا عن الدكتور جلال أمين بعد فوزه بجائزة العويس، وأكتب اليوم عن عمار على حسن ليس بوصفه صديقا وفقط جمعتنا لفترة تقترب من العام تجربة مهنية واحدة، وإنما بوصفه باحثا متألقا وموسوعة معرفية سخرها دائما لصالح صحيح البحث والكتابة الصحفية، وصاحب أياد بيضاء على الكثيرين ممن يقتنع بموهبتهم وكفاءتهم المهنية.
لا يصنف عمار على حسن نفسه على أيدلوجية بعينها، ولا يستطيع تيار سياسى معين أن يحسبه عليه، لكنه فى نفس الوقت ممن نحسبهم على التيار الوطنى العام الذى يناضل من أجل أن تكون مصر حرة مستقلة فيها ديمقراطية سليمة وتوزيع عادل للثروة، ويناضل من أجل عروبته ويذهب بعيدا من أجل التأكيد على أن قدر مصر هو عروبتها، لكنه القدر الذى إن تم التعامل معه بوعى وفهم لحقيقة دور مصر فسيعطيها فوائد كثيرة ولن يكون عبئا عليها أبدا.
ويبرع عمار على حسن فى رصد الظواهر التحتية للقضايا السياسية، ويرسم منها لوحة متكاملة فى التحليل فنحصل على وجبة متكاملة فى المعرفة والوصول منها إلى نتائج هامة، وهو ما فعله فى كتابه الذى حصل به على جائزة الشيخ زايد، حيث حشد فيه معلومات مدهشة عن الطرق الصوفية وتاريخها ورجالها، وعلاقتها بالسياسة ورجالها، ولم يتجاهل عمار فى كتابه الخلفية الاجتماعية لهذه الطرق مما أعطى كتابه مذاقا مختلفا عن كل الذى تم رصده من قبل حولها.
ولعمار إنتاج أدبى وافر فى القصة القصيرة والرواية مثل "عرب العطيات" و"حكاية شمردل" و"جدران المد ى" و"أحلام منسية"، وأذكر ذات مرة أننى سألت المفكر العملاق الراحل الدكتور محمد السيد سعيد، عما إذا كان كتب من قبل روايات أو قصصا قصيرة، وكا ن مبعث سؤالى هو أن قراءة ما يكتبه يحمل فى بعض جوانبه رائحة الأدب، فأجابنى أنه بالفعل كتب القصة القصيرة، لكنه، وحتى يحدد تخصصه بالضبط كباحث، انصرف عن الكتابة فى مجال الأدب، بل إنه حرق كل إنتاجه من الكتابة القصصية، حتى لا يعود إلى الكتابة فى هذا الفن الرائع.
وأذكر ما قاله لى الدكتور محمد السيد سعيد لأخذ منه ما يتعلق بالدكتور عمار على حسن، وهو أن عمار اختار أن يسير كمبد ع فى خطين متوازيين ، خط البحث وخط الأدب مما أفاده فى القدرة على تخيل الظواهر السياسية والاجتماعية، والخيال هو مقدمة الأفكار الخلاقة، ليس هذا فحسب بل إن الأدب يساهم فى ثراء الكتابة بطريقة تسكن القلب قبل العقل وهذا ما يفعله عمار على حسن، فهنيئا للجائزة به، وهنيئا له بها، وتحية واحتراما من القلب والعقل على ما ذكره بأنه سيخصص عائد الجائزة لمشروع موسوعى كبير فى المعرفة لم يفصح عنه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة