قبل المباراة المنتظرة بين المنتخب المصرى والجزائرى بساعتين جاءنى ابنى الكبير بحبتى المهدئ وأصر على أن أتناول الحبتين مرة واحدة حتى لا يؤثر الانفعال المفاجئ على قلبى بعد جراحة القلب المفتوح التى أجريتها منذ سنوات وخضعت لإصرار ابنى وتناولت الحبتين وبدأت المباراة وانتهت بفوز فريقنا، والآن أكتب هذا المقال وقد تجمع فى شارعنا كل شباب الحى يغنون أغنية فولكلورية لم أسمعها منذ سنوات، كانوا يغنون فى صوت جماعى بهيج: "يا حلوة يا بلحة يا مقمعة ... شرفتى إخواتك الأربعة".
كيف استدعى العقل الجماعى الشعبى هذه الأغنية البهيجة؟ كيف يرمز حجر صغير فى معبد رمسيس الثانى لانتصارات مصرية ضخمة مرت عليها قرون سحيقة؟ كيف تستدعى مباراة فى كرة القدم صورة بناء السد العالى فى خيال المصريين؟ كيف لمجرد مباراة فى كرة القدم أن تستدعى فى الخيال صورة جمال عبد الناصر بعد هزيمة رهيبة فى 67 وهو يقف متحدياً الهزيمة ويواجه الشعب المصرى بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة؟ كيف لمباراة فى كرة القدم أن تستدعى صورة الصمود فى حرب الاستنزاف ثم العبور العظيم فى 73 بعد سنوات من الصمود المر كمن كنا نقبض على الجمر؟ وكيف لفريق لكرة القدم أن يرمز لصمود شعب؟
كما يرمز الحجر فى معبد رمسيس الثانى كان الفريق المصرى لكرة القدم يرمز لما هو أكبر منه بملايين المرات، وهو صمود شعب، ليست مجرد مباراة فى كرة القدم كما ادعى كذباً الجميع، مباراة فى كرة القدم؟ نعم، فهذا لا جدال فيه، لكنها كانت ترمز لما هو أكبر منها بملايين الملايين من المرات، وبالذات بعد الإهانات البالغة التى تعرض لها الشعب المصرى حتى صباح المباراة، فعندما تفتح عينك فى الصباح على مقال فى صحيفته الجزائرية يقول بالحرف الواحد: "لن تنتصر مصر، لأن مصر هى بلد الهزائم" ومع أن هذا الصحفى البوعقبة يعرف تاريخه الأسود كل الصحفيين زملائه فى بلده على زملائه، ومع أن ما كتبه لا يمثل كل الصحفيين الجزائريين، فإنه بالتأكيد لا يمثل كل الشعب الجزائرى الذى نعتبره - رغم أنف العملاء الذين وجهوا إهاناتهم السخيفة للشعب المصرى - شعباً عربياً شقيقاً، نعم الجزائر هى الجزائر ومصر سوف تبقى هى مصر ولا يمكن أن نشمت فى الجزائر، فالشعب المصرى لا يعرف الشماتة فى الأشقاء وسوف يتسامح فى تجاوزات مشجعى كرة القدم الجزائريين، لكنه لن يتجاوز عن إهانات أمثال البوعقبة الشاذ.
أى كلام عن الفريق المصرى وأى كلام عن المباراة غير الفرحة لا محل له من الإعراب، لكنا نقول إنه كما كان الحجر الصغير فى معبد رمسيس الثانى يرمز لانتصارات شعب، وكما تستدعى مباراة فى كرة القدم صورة بناة السد العالى وصورة جمال عبد الناصر يرفض الهزيمة وصورة جيش مصر العظيم يعبر عبوره العظيم، فإن هذه المباراة فى كرة القدم قد استدعت فى العقل الجماعى المصرى كل الأغانى البهيجة، هذه يا بوعقبة ليست مباراة فى كرة القدم، بل مجرد رمز - كما الحجر فى معبد رمسيس - مجرد رمز صغير جداً بأن مصر ليست بلد الهزائم، هذه ليست مجرد مباراة فى كرة القدم يا بوعقبة، بل مجرد حجر صغير جداً يكون كالقذى فى عينك، ومرة أخيرة: اللهم لا شماتة يا جزائر، لكن الشماتة كل الشماتة فى كل من وجه الإهانات للشعب المصرى، وسوف تبقى الجزائر وسوف تبقى مصر، وسوف يبقى الشعب المصرى هو الدرع الحقيقى لكل انتصارات العرب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة