بدأت بالأمس فى سرد ما دار فى اللقاء الذى جمع خالد جمال عبد الناصر وباتريس لومومبا ابن الزعيم الإفريقى لومومبا، وتوقفت أمس عند الخطاب الذى أوصى فيه لومومبا عبد الناصر بأولاده.. واستكمل قال باتريس: "الوالد أرسل خطابا إلى عبد الناصر قبل ما نصل إلى القاهرة قال فيه: "أنا باعت لك أولادى دول أولادك تكفل بهم"، وكان ذلك وقت حصار بيتنا فى الكونغو، والخطاب كان عن طريق عبد العزيز إسحاق، المستشار فى السفارة المصرية بالكونغو، والسفارة لم يكن فيها سفيرا وكان إسحاق يقوم بعمل السفير وكانت تربطه بالوالد علاقة صداقة.
قبل أن يحكى باتريس قصة الحصار الذى انتهى إلى مقتل الوالد، تذكر خالد: "على فكرة فيه خطابات من لومومبا إلى عبد الناصر يا باتريس موجودة فى كتاب الأستاذ هيكل" سنوات الغليان"، وقام خالد بنشاط متوجها إلى مكتبته وعاد حاملا الكتاب فى يده، ليقرأ ثلاثة خطابات، الأول من نائب لومومبا، وكان الخطاب الثانى والثالث تحديدا يحتويان على لغة مؤثرة، جاء فى الخطاب الثانى وهو من شقيق لومومبا: "يا صاحب، إذا كان خطابى هذا لا يحمل جميع معانى الاحترام الواجب تقديمها لشخصكم، فأرجو ألا يفسر ذلك بقلة العناية، ولكن بأننى أتعامل معكم كشقيق وراع ورجل إفريقى لم يتنازل عن روحه الإفريقية، إن وقوفكم معنا ضربة لكل من أرادوا أن يوقعوا بيننا وبينكم حينما أرادوا إقناعنا أن العربى هو عدو الأسود، وأن العرب هم كانوا أصل فكرة الاتجار ببنى البشر فى تجارة الرقيق، ولقد تأكدنا أن ذلك غير صحيح، ونحن نرى أمامنا أن البرتغاليين وهو شعب مسيحى كانوا هم تجار الرقيق فى بلادنا وكانوا يقومون بذلك بأمر من ملوكهم".
"توقيع : لويس لومومبا " .
انتقل خالد عبد الناصر إلى قراءة الخطاب الثالث وكان من السيدة بولين زوجة لومومبا وأم أبنائه: "إننى امرأة لم تتعلم لأن الاستعماريين البلجيكيين حرمونا من فرصة الحصول عليه، لكنى مع إدراكى البسيط أفهم مثل كل امرأة وطنية فى إفريقيا أنكم أوفى الأصدقاء لشعوبنا، إننى بلسان امرأة، والمرأة هى موضع أسرار الرجال، أؤكد لكم أننا عرفنا الآن أصدقاءنا الحقيقيين، والله معك".
"توقيع: بولين لومومبا".
فرضت قراءة خالد لخطابات لومومبا حالة من الشجن والتأثر بدت أكثر وهو يقول: "ياه على سنوات العزة والكرامة والإرادة والمجد"، وتوجهت أنا بسؤال إلى باتريس عن سيناريو تهريبهم إلى مصر، فقال: "فى يوم ونحن فى المنزل جاء عبد العزيز إسحاق بسيارة جيب تابعة للأمم المتحدة، وكان سعد الدين الشاذلى موجودا، هو كان قائد الفرقة المصرية فى قوات حفظ السلام، لكن عنده أوامر من عبد الناصر بحماية لومومبا، كانت الساعة حوالى السابعة، وتم شحن "شنطنا" فى السيارة، ووضعونا فى السيارة أنا وفرنسوا وجوليانا، كل فى مكانه و"الشنطة" بجواره بطريقة لا تكشفنا وتضمن خروجنا من البيت ومن كردون الحراسة الذى كان حول المنزل".
توجه أمين إسكندر إلى باتريس بسؤال حول من كان يقوم بالحراسة، وكيف تم التهريب دون أن يتم كشف الخطة، فأجاب باتريس: "البيت كان محاصرا من قوات موبوتو، رئيس الكونغو فيما بعد"، وفى الليل وفى غفلة من هذه القوات تم شحننا فى السيارة الجيب، وكانت مصر لها مبنى هو الآن مستشفى تم وضعنا فيه، وقضينا الليلة، وكان عبد العزيز إسحاق جواز معه جواز سفر على أنه متزوج من إفريقية ولا أعرف كيف استخرجه، المهم كان مثبت فى جواز السفر أننا أولاده، وأطلق علينا أسماء عربية وكان اسمى عمر، وقبل أن نذهب إلى المطار الذى كان خاضعا لقوات موبوتو والأمم المتحدة، أرسل سعد الدين الشاذلى فرقتين صاعقة ووضعهما فى المطار باعتبارهما من قوات الأمم المتحدة التى تشارك فيها مصر، وأعطى الشاذلى أوامره بأنه إذا لم نخرج بسهولة فيتم خروجنا بأى وضع، والمعروف أن الطائرات كانت تطلع إلى أوروبا من الكونغو مساء، وفى الطريق إلى المطار شددوا علينا أن نمثل حالة النوم، وحملونا على هذا الوضع إلى الطائرة، وبقينا فيها فترة قليلة حتى سمعنا أن الطائرة ستقلع.
التفت خالد إلى باتريس ليسأله: "أنت مرة قلت لى يا باتريس إنكم كنتم هتتكشفوا فى المطار، رد باتريس: "آه فعلا، واحد من الموظفين فى المطار كان بيشوف صورنا مع الوالد، ولما شاهد جواز سفر عبد العزيز إسحاق وفيه صورنا صاح: "مش ممكن يكون الأطفال دول أولاد هذا الرجل، وبالمناسبة الصور كانت مهزوزة قليلا، وكان ذلك مقصودا حتى لا تتضح معالم وجوهنا بالضبط، وبالرغم من ذلك شك الموظف فيها، وطلب رؤيتنا قبل صعودنا إلى الطائرة، فرد عليه عبد العزيز إسحاق، بأن الأولاد ناموا ولا يمكن أن يتم إيقاظهم، كان إسحاق يتحدث بثقة كبيرة، وحوله ضباط مصريون مما ساعد فى إرباك الموظف، ومر الموقف وصعدت الطائرة، ومع الإحساس بالأمان استيقظنا من النوم أو من تمثيلية النوم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة