لن تكون صحيفة «الدستور» جملة اعتراضية فى تاريخ الصحافة المصرية، ولن تكون برقا ينطفئ حتى لو غيرت سياستها التحريرية، فهى التى جاءت فى موعدها تماما مع الصحافة المصرية وقت إصدارها الأول عام 1995، ومن يومها صارت ماركة مسجلة باسم رئيس تحريرها الزميل إبراهيم عيسى.
كانت الصحافة المصرية وقت الإصدار الأول لـ«الدستور» تواجه انتقادات مهنية عنيفة عبر عنها شيوخ المهنة وشبابها، وبقدر ما كانت الانتقادات عنيفة للصحف القومية من حيث تقليدية الأداء الذى يقتل الإبداع الصحفى، بقدر ما ذهبت الانتقادات إلى صحف المعارضة بأنها أصبحت نشرات سياسية وعاجزة عن تقديم خطابها المعارض فى ثوب صحفى راق يستطيع أن يجذب القارئ، وكانت النتيجة الفادحة لكل ذلك أن قطاعا كبيرا من أهل المهنة العاملين فى الصحف القومية تحولوا بمرور الوقت إلى موظفين بدرجة صحفيين، كما حولت صحف المعارضة الكثير من صحفييها إلى سياسيين أكثر منهم أبناء مهنة.
ظلت ثنائية صحافة الحكومة والمعارضة تحكمنا، ومعها طالت وكبرت الانتقادات، وعلى الطريق قيل إن الصحافة المتقدمة أصبحت فى لبنان كما أصبحت فى الخليج بفضل كفاءات مصرية محترمة وجدت فرصتها مسدودة مهنيا وماديا فاختارت الهجرة إلى الخارج، وزادت الانتقادات بالقول إن مصر ودعت مجدها الصحفى الذى صنعه رواد بتفان وإخلاص.
جاءت «الدستور» فى ظل هذه الأحوال لتعيد بعضا من مجد الصحافة المصرية المفقود، وأجمل ما قدمته هى تلك الخلطة السحرية التى جمعت بين الأفكار غير التقليدية وتقديمها برشاقة الأسلوب وجاذبيته، فحين كانت تختار ثوبها المعارض كانت تقدم وجبتها بجاذبية مما نقل إليها الجمهور التى فشلت المعارضة فى أن تكسبه، ووجد عشرات الصحفيين الموهوبين طريقهم إليها، وقرأنا عناوين غير تقليدية، واستدعت أسماء محترمة ظن القراء أنها لم تعد موجودة، وبجوارها لمعت أسماء لو بقت فى صحفها الأصلية لما عرفها أحد، ونجحت فى أن تخاطب شريحة الشباب الذين لا يجدون فى «القومية» أملهم ولا فى المعارضة ضالتهم.
قاد إبراهيم عيسى إصدار الدستور الأول بموهبته الغنية حتى توقفت لتعود مرة أخرى برؤية مهنية تواصلت مع ماضيها المبهر، وكعادتها فى إصدارها الأول احتضنت كفاءات وموهوبين صنعوا جريدة مؤثرة وناجحة، وإذا كان إصدارها الأول سجل تمايزه فى وقت لم تكن هناك صحافة خاصة منافسة، فإن الإصدار الثانى اكتسب رونقه أكثر لأن الأرض نبت فيها منافسات لصحف أخرى، لكن مع هذه المنافسات أكدت «الدستور» أنها ليست جملة عابرة فى تاريخنا الصحفى، وإنما أصل تفرعت منه صحف أخرى بفضل موهبة إبراهيم عيسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة