كنت أتمنى أن أحقق لنفسى الحائرة أمنية مفقودة لو أن متحدثا عالى المستوى فى الرئاسة أو الخارجية المصرية خرج علينا يوم الجمعة الماضى ليعرب عن أسفه واستنكاره أو على الأقل قلقه باسم مصر من صفقة الطائرات إف 35 المقاتلة والمعروفة باسم الشبح والتى قررت الولايات المتحدة الأمريكية بيعها لإسرائيل بقيمة 2.7 مليار دولار لـ20 طائرة.
تمنيت ذلك وانتظرت حتى هذه اللحظة صدور ولو بيان رقيق على استحياء للصديق الأمريكى يلومه على الصفقة التى من شأنها إحداث خلل فى موازين القوى العسكرية فى المنطقة لصالح إسرائيل ويرجح الترشيح بإمكانية توجيه ضربة عسكرية لإيران.
لكن لم تتحقق لى الأمنية والخيال فى حين كان هناك واقع يحدث فى واشنطن الصديقة حين خرج المتحدث الرسمى للبيت الأبيض مارك تونر بوجه جامد كالصقيع ليعرب عن استياء الولايات المتحدة الأمريكية وأسفها لممارسة مصر أبسط قواعد الحقوق السيادية للدولة فى التوقيع على اتفاقية مدنية لاستئناف الرحلات الجوية بين القاهرة وطهران.
واشنطن كانت تهدد وتحذر من اتفاقية الطيران المصرية الإيرانية وتوقع فى الوقت ذاته اتفاقية عسكرية لبيع طائرات الشبح لإسرائيل دون رد واضح من أى مسؤول حكومى رسمى على التدخل السافر من الصديق الأمريكى فى أمور سيادية مصرية وتذكيره بصفقة السلاح الأخيرة التى تهدد هامش السلام فى المنطقة بصفته «الراعى والمحرك الأول والأخير للعملية فى الشرق الأوسط».
هل هى وقاحة وبجاحة أمريكية متكررة تشعرنا بالغيظ والقرف فى كل مرة دون أن يقابلها رد مصرى يشفى بعض الغليل؟
تخيل لو كانت صفقة الطائرات المقاتلة الأخيرة مع مصر أو دولة عربية أخرى مثل سوريا، بالتأكيد الرد الإسرائيلى حاضر وبقوة بل هناك أكثر من الرد لإيقاف الصفقة من الأساس، فقد انزعجت إسرائيل من صفقة روسية لأنظمة الدفاع الجوى لسوريا وتحاول بشتى السبل إيقافها لأنها تهدد الأمن القومى الإسرائيلى، فى المقابل فلا تهديد لأمننا القومى من صفقة الشبح الأخيرة وصفقات السلاح الأمريكية المتطورة السابقة بدليل عدم إبداء أى انزعاج أو حتى أسف أو عتاب للصديق الأمريكى الذى يرى أن اتفاقيات الصداقة مع مصر توجب عليه الانزعاج والتدخل فى أمور سيادية حتى لو كانت اتفاقية طيران مدنى مع إيران تخدم العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
الانزعاج الأمريكى الأخير بالتأكيد يفسر الارتباك والخوف من إمكانية عودة العلاقات المصرية مع إيران رغم كل محاولات التقارب التى أبدتها طهران فى السنوات الأخيرة والتصريحات الهادئة والمشجعة التى صدرت من الجانبين وآخرها وصف الرئيس مبارك إيران بأنها دولة مهمة، إضافة إلى اللقاءات التى تمت على أعلى مستوى فى القاهرة والتى ما تلبث أن يعقبها تراجع وانكماش من جديد بعد إبداء الصديق الأمريكى انزعاجه.
الخشية الآن أن يخيف الانزعاج والأسف الأمريكى السلطات المصرية ويدفعها للتراجع عن التطبيع الطائر مع إيران وتجميد الاتفاقية الموقعة بين الجانبين.