ذهبت دستور إبراهيم عيسى، وجلس الباقون، ذهبت الدستور، لأنه لا وقت للارتجال، والمرحلة المقبلة كما هو معلوم صعبة وحساسة، والجريدة أصبحت عبئا على «الوطن»، والوطن لا يحتمل أعباء أخرى، طوال الأسبوع الماضى سن الشامتون ابتساماتهم وأقلامهم، واندهشوا من المبالغ التى يحكى عنها، الملاك الجدد قاموا بالواجب، وجعلوا قارئ الدستور ينظر إلى الصحف المستقلة الأخرى نظرة مريبة، فجأة نزل سقف الجميع، وخفتت أصوات لامعة، لأن الكلام «اللى ماشى» مخيف، وانتهى أمر محررى الدستور الطالعين إلى زنقهم فى خانة العمال ضحايا الخصخصة، ولكنهم يتميزون عن الآخرين بأنهم ضحايا خصخصة مشروع خاص، ذهبت الدستور بتلقائيتها وعفويتها وجسارتها وأخطائها، لكى يستريح أناس غامضون يخافون على البلد، ذهبت صفحة خالد السرجانى الجادة والمحترمة، والتى كانت تؤرخ للفساد الصحفى وتفضحه وتكشفه، وأصبح من حق على سالم أن يلبس عباءة الحكيم ويسخر من إبراهيم عيسى فى روزاليوسف (التى يقف القائمون عليها موقفا جادا ضد التطبيع)!، كتاب الحكومة معذورون فى دفاعهم عن المالك الجديد، وبعض كتاب المعارضة صعدوا المسرح «للتنقيط» فى فرح اغتيال الجريدة، وفى النهاية تم تكفين مشروع إبراهيم عيسى الصحفى، لكى يتفرغ قارئ الدستور الأصلى... لقراءة الروايات البوليسية.
فى السنوات الخمس الأخيرة ساهمت الصحافة المستقلة فى تحريك الحياة، وبعثت حيوية فى المجتمع، وقفت فى صف أصحاب المطالب الفئوية المشروعة وحركات الاحتجاج، كشفت سلبيات كان الاقتراب منها ممنوعا، وفى المقابل ساهمت فى زرع الفتنة بين المسلمين والأقباط، ومحاباة رجال الأعمال على حساب الحقيقة، وكونت نخبة من الكتاب الذين تحولوا مع الوقت إلى «فضائيين» يشكلون الرأى العام، فى السنوات الأخيرة شهدت مصر طفرة فى الكتابة الإبداعية الشابة الرائعة، بعيدا عن الصحافة التى تكره الأدباء وعن وزارة الثقافة، وقاد القطاع الخاص صناعة النشر بعيدا عن الرقابة، وحدثت طفرات أخرى فى صناعة السينما والدراما والأفلام القصيرة والفن التشكيلى بعيدا عن الدولة، وظهر شعور ما بالتفوق عند عشاق كرة القدم، لأن بلدهم يحتل المركز التاسع فى تصنيف الفيفا، بعد ثلاث بطولات قارية، حققها حسن شحاتة بجدارة، وكان يحتاجها الجمهور، الجمهور الذى ارتفع صوته فى الشارع ونزل إلى المظاهرات مطالبا بحقه فى المحلة والضرائب العقارية وغيرهما، واستجابت الحكومة لبعض مطالبه، كان المدير الفنى للأهلى مانويل جوزيه صاحب فضل فى تطوير اللعبة فى مصر، لأنه صاحب خيال جميل، ولأنه حقق مع الأهلى فى فترة قصيرة حزمة استثنائية من البطولات والأهداف الرائعة، كان الأهلى فى أحسن حالاته، انعكست على المنتخب، وعندما يكون الأهلى والزمالك فى أحسن حال، تلعب مصر أجمل لعب، حسام البدرى لم يوفق حتى الآن فى خلق حالة انسجام تليق بفريقه وتاريخه، فشل فى ابتكار حلول إبداعية تنتهى بهز شباك الخصم، بدا لاعبوه يفكرون فى شىء آخر غير كرة القدم، خطوط غير منسجمة، وسط ملعب مزدحم بلاعبين يقومون بالأدوار نفسها، وفى ميت عقبة يلعب حسام حسن بطريقة «يالله يا رجالة»، ويتم فضح فرقته لو غاب شيكابالا، وظهرت فرق إضافية غنية، اكتشف أصحابها حجم البيزنس الذى يمكن أن يحققه اللعب، وأصبح الدورى العام عنيفا، وظل حسن شحاتة يراقب اللاعبين ويصرف راتبه، فى مباراة سيراليون، قلد البدرى وحسن فى طريقة لعبهما، فظهرت مصر غير منسجمة وعاجزة عن التهديف ثم هزيمته أمام النيجر بجدارة، لأن الحيل القديمة درسها الخصوم، حتى لو غيرت طريقة اللعب، كرة القدم فى طريقها إلى أزمة كبيرة، لن نتفاداها إلا بتغيير المعلم والحسامين، حبا فى اللعب والبهجة وثلاثتهم، وحتى لا يحدث لكرة القدم... ما يحدث للصحافة.