هى فرنسا، تقتحم فضاءنا الإعلامى من أوسع أبوابه، فأخيراً قررت قناة «فرانس 24»، الانتقال إلى البث العربى طوال 24 ساعة يومياً، بعد ما يقرب من أربع سنوات من انطلاق القناة التى تمتلكها الحكومة الفرنسية، والتى بدأت بالبث باللغة العربية أربع ساعات يومياً منذ أقل من ثلاث سنوات، زادت إلى عشر ساعات منذ عام ونصف العام.
والقناة التى تكتسى بقوة بصبغة فرانكوفونية، استطاعت خلال الأعوام السابقة، أن تدعم نضجها البرامجى؛ للوصول به إلى مرحلة تجعله قابلاً للتفاعل مع واقع منطقة الشرق الأوسط والمهتمين بالشأن العربى، صحيح أنها لم تتلون بما يجعلها شبيهة بأداء إعلامى فضائى «يقال» بأنه يرضى الجمهور العربى، لكنها استمرت فى أداء يجعل المشاهد قادراً على تمييز شكل شاشتها بمجرد أن تقع عليه عيناه، فمن حيث الشكل تمتلك ذوقاً فرنسياً واضحاً، وهو ذوق قد لا يرضى الجميع، لكنه من المؤكد سيرضى بعضاً يضم نخبة لا تزال تعتبر الأداء الفرانكوفونى هو الأقرب لقلبها وعقلها.
يقول ألان دو بوزياك رئيس ومدير عام الإعلام السمعى والبصرى الخارجى لفرنسا: «نريد أن ننقل نظرتنا للعالم باللغة العربية فهناك 300 مليون شخص فى العالم العربى، يتكلم ما بين 60 % و80 % منهم لغة واحدة فقط هى العربية. ولفرنسا «قرب تاريخى» مع العالم العربى والقناة تسمح للمشاهدين بالاطلاع على الرؤية الفرنسية للأحداث فى العالم».
واعتبر بوزياك أن القناة ستعكس المنظار الفرنسى للأحداث فى مقابل النموذج الأمريكى «الذى له نظرة واحدة للعالم ويعطى الأهمية للأكبر للاقتصاد»، هكذا بوضوح يتم الإعلان عن سياسة القناة وأهدافها: التوغل حتى النخاع فى جغرافيا المجتمع العربى، ودون أسقف معلنة، فالقناة أعلنت عن برنامجها المسائى اليومى الذى سيكون مجالاً لـ«الآراء غير المقبولة سياسياً» فى بلاد العرب ويخصص فقرة للمدونين. دون صخب تتسلل فرنسا إلى الشاشة العربية، التحاماً مع واقع المنطقة وحفاظاً على مصالحها فيها، وترسيخاً لمكانتها فى الذهن العربى، فالقناة صارت تحظى بالفعل بمشاهدة عالية لدى العرب فى أوروبا، وبالطبع لدى عرب شمال أفريقيا.
فى فترتها المسائية الأسبوع الماضى، وفى ثانى أيام تمديد بثها، أذاعت القناة تقريراً عن تجارة الأطفال والهجرة غير الشرعية فى مصر، من خلال برنامجها «ريبورتاج»، أتبعته بحوار مع وزيرة الأسرة والسكان مشيرة خطاب، حول الموضوع نفسه، وتخلل البرنامجين نشرة للأخبار، جاء ذكر مصر فيها من خلال تقرير عن عرض أوبرا عايدة، هكذا ظهرت مصر خلال ساعة واحدة ثلاث مرات، من خلال ثلاثة أشكال برامجية.
لا شك أن «فرانس 24»، ستكون قناة إعلامية تستحق التوقف عندها بكثير من التعقل، فلا رقابة يمكن أن تطارد صورتنا فى سماء يصنعها غيرنا، ما نملكه حقاً هو قدرتنا على تكوين صورتنا كما نريد وكما يحب أن يرانا الآخرون.