◄◄ الحكومات تنكر دفعها أموالا للإفراج عن رهائنها وتفعل ذلك فى الخفاء
◄◄ «قطع الأيدى» يجبر أهالى المخطوفين على دفع الفدية.. عصابات المخدرات أكثر المستفيدين من خطف 12 ألف رهينة فى العراق والصومال والنيجر والمكسيك والكونغو
لم يعد «الاختطاف» مجرد وسيلة تحقق بها بعض الجماعات أهدافها، سواء السياسية أو الاقتصادية، لكنها تحولت إلى «سبوبة» تجلب ملايين الدولارات لعصابات دولية تتكسب على حساب أرواح أبرياء أوقعهم حظهم العثر فى يد من لا يرحم.
قبل أيام تعرضت عاملة الإغاثة البريطانية ليندا نوجروف للاختطاف فى أفغانستان، وعندما أغارت القوات الأمريكية على معسكر الجماعة التى اختطفتها، قتلت ليندا «بنيران صديقة». وفى سبتمبر الماضى، قتل تسعة سائحين خلال عملية إنقاذ رهائن فى العاصمة الفلبينية مانيلا. وفى أغسطس، تعرض ثلاثة ضباط روس للاختطاف فى دارفور. وفى يوليو، تعرض أربعة صحفيين للحصار فى المكسيك. وفى يونيو، اختطفت حفيدة رجل أعمال روسى كرهينة مقابل فدية. وفى مايو، اختُطف مهندسان صينيان فى نيجيريا، وفى إبريل اختطف ثمانية من عمال الصليب الأحمر فى الكونغو الديمقراطية، وفى مارس اختطف مخرج بريطانى فى باكستان، وأربعة موظفين باكستانيين يعملون فى وكالة إغاثة أمريكية، وفى يناير تم اختطاف مقاول أمريكى بالعراق.
ما سبق لم يكن سوى أمثلة بسيطة على عمليات الاختطاف التى أصبحت شبه يومية فى جميع أنحاء العالم. وفى تحقيق مطول عن صناعة اختطاف الرهائن، قالت صحيفة الإندبندنت البريطانية إنها أصبحت تقدر بما يقرب من مليار ونصف مليار دولار لا تشمل فقط مبالغ الفدية التى يدفعها أهالى المخطوفين، ولكن أيضا الخسائر الفادحة التى تتكبدها شركات السياحة والتأمين على السفن والحافلات، والتأمين ضد الخطف إلى جانب تكاليف شركات الحراسات الأمنية الباهظة، وما يدفع للوسطاء أو المساومين. آخر حوادث الاختطاف التى قام بها القراصنة الصوماليون لسفينة أوروبية، هى خير دليل على العائدات الضحمة لهذه التجارة غير النظيفة. فقد دفع ذوو المخطوفين 7 ملايين دولار للإفراج عن الرهائن الذين كانوا على متنها. من بينها 550 ألف دولار دفعها مصرفى ألمانى للإفراج عن زوجته، ودُفع 300 ألف لتحرير عامل نفط، و10 آلاف دولار للإفراج عن ابن أحد أصحاب المتاجر.
من مكسيكو سيتى إلى مقديشيو، ومن الموصل إلى مانيلا، يرتفع عدد عمال الإغاثة والموظفين الغربيين والسياح والسكان المحليين الذين يتم احتجازهم كرهائن. ففى المكسيك وحدها تم احتجاز أكثر من 7 آلاف شخص فى عام 2008 وحده على يد عصابات المخدرات. وفى نيجيريا تم اختطاف ألف شخص على الأقل خلال العام الماضى، وفى الصومال يتم اختطاف الأجانب بمعدل 106 أشخاص كل شهر.
وبشكل عام، يتم احتجاز 12 ألف شخص كرهينة كل عام، وفى الأسبوع الماضى، بلغ عدد الأشخاص الذين لا يزالون محتجزين أكثر من ألفى شخص بينهم 400 تقريباً من الأجانب الذين لا يعرفون إذا كان خاطفوهم سيطلقون سراحهم أم أن احتجازهم لا يزال يمثل مصدراً هائلاً للربح لخاطفيهم.
الغريب أن القائمين على هذه الصناعة ما هم إلا مجموعة من قطاع الطرق الذين يتجولون فى السودان أو غرب أفريقيا أو شوارع المكسيك ويستعدون لاختطاف ابن رجل أعمال أو عامل فى إحدى شركات النفط الأمريكية وبيعهم لعصابات متخصصة فى اختطاف الرهائن، لتكسب من ورائهم أرباحا هائلة أقلها على الأقل 350 ألف دولار مقابل العامل فى شركة النفط الغربية. اختطاف الرهائن ظل مشكلة تخص أمريكا الجنوبية وحدها حتى عام 2004، حيث كانت هذه القارة تشهد 65% من إجمالى حالات الاختطاف فى العالم. إلا أن الرقم تراجع فى العام الماضى ليصل إلى 37%، مع ظهور أماكن أخرى ارتفع فيها معدل عمليات الخطف مثل الفلبين وأفغانستان ونيجيريا والمكسيك والسودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وباكستان التى تشهد خمس حالات اختطاف أسبوعياً، وشمال غرب أفريقيا، والعراق ونيبال وهايتى، واليمن التى تم اختطاف 220 أجنبيا فيها منذ عام 2004. وتختلف معاملة الرهائن بشكل كبير من مكان إلى آخر، فالرهائن فى المكسيك الذين يتم اختطافهم على يد عصابات المخدرات، لا يعاملون بشكل جيد ومعرضون لأن يفقدوا أيديهم مثلاً إذا ظن الخاطفون أن من يفترض أن يقوموا بدفع الفدية يتلاعبون بهم. وما لم يجد قطع اليد نفعاً، فإن الرهينة تتعرض للموت على الأرجح. على العكس من ذلك، نادراً ما يتعرض الرهائن فى نيجيريا لسوء، بل إنه معروف أن الخاطفين فى منطقة بورت هاركورت يجمعون الرهائن ويصطحبونهم لتناول الهامبورجر.
حركة طالبان فى أفغانستان والمتمردون فى العراق وكذلك المجرمون يستغلون اختطاف الرهائن لجمع الأموال. فمنذ عام 2004 تم احتجاز 200 أجنبى وآلاف من السكان المحليين فى العراق. وقد تحولت هذه التجارة إلى حد كبير الآن نحو اختطاف المحليين، لكن لا يزال هناك 15 أجنبيا على الأقل محتجزين أو فى عداد المفقودين هناك.
نيجيريا تأتى فى المركز الثالث فى تصنيف شركة «أكى» الأمنية لأكثر المناطق التى تشهد اختطافا. فمنذ عام 2006، اختطفت الجماعات المسلحة فى دلتا النيجر أكثر من 200 من عمال النفط الأجانب، وهذا العام وحده تم اختطاف 21 أجنبيا. ومع استجابة شركات النفط للتهديدات بسحب موظفيها الأجانب أو استئجار شركات أمن خاصة لحراستهم، تحول المسلحون إلى اختطاف النيجيريين من أبناء الطبقة الوسطى وأطفالهم. الفدية التى يطالب بها الخاطفون تختلف إذا كان الشخص أجنبيا أو محليا. فإذا كان محليا تكون 30 ألف دولار على الأقل، أما فى حالة الأجانب فربما تصل إلى 300 ألف دولار. وفى هذا العام وقعت 500 حالة اختطاف لنيجيريين غير الأجانب. ومؤخراً تم اختطاف اثنين من الألمان العاملين فى مجال النفط هناك ودفعت فدية للإفراج عنهما تقدر بـ 430 ألف دولار، فى حين دفع مبلغ 7 ملايين دولار ثم 3 ملايين دولار للإفراج عن سفينتين تم احتجازهما هناك.
أما عن موقف الحكومات من عمليات الاختطاف فهو غريب، فرغم إنكار الحكومات دفعها أموالا للإفراج عن رهائنها إلا أنها تقوم بفعل ذلك فى الخفاء. ففى أغسطس الماضى، تعرضت الحكومة الإسبانية لانتقادات حادة بعد ادعائها أنها دفعت فدية كبيرة لتنظيم القاعدة للإفراج عن اثنين من عمال الإغاثة الإسبان الذين احتجزوا رهائن فى موريتانيا فى نوفمبر الماضى، حيث ذكرت صحيفة ألموندو أن الإفراج عنهم جاء نتيجة دفع أكثر من 5 ملايين جنيه استرلينى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة