انتهت المشكلة وتصالح الرجلان وضاعت اللوحة.. ولم ينل المصريون من تلك القضية سوى وجع الرأس والانشغال بسعر اللوحة وثمن الموس الذى قطعها، وعدد الكاميرات بالمتحف وأساليب تأمين القطع الأثرية والفنية النادرة، وفوق كل ذلك تحمل الناس سخرية المثقفين من تعليقات الغوغاء وعامة الشعب، مثل الذين أبدوا اندهاشهم بالانشغال بثمن اللوحة وقيمتها أكثر من كم الخلل والتسيب والإهمال الرهيب الذى كشفته سرقة اللوحة.
انتهى الأمر بأن قبّل شعلان رأس الوزير الفنان الذى هبط من عليائه ليمسح بيده على رأس شعلان قائلا، "عفونا عنك" ولم يكن ينقص الاثنين سوى أن يتربعا على أرضية مكتب الوزير وهما يتناولان الشاى والبسكوت والوزير يقول لشعلان، "فداك ألف لوحة يا راجل المهم الود والكلمة الحلوة هى اللى باقية".
وإذا كانت الأمور تدار بهذه البساطة فى وزارة الثقافة، فهذا ليس غريباً على العقول التى تديرها.. تلك العقول التى تتباهى بعدد المهرجانات التى تقيمها فى العام أكثر مما تحويه تلك المهرجانات من قيمة فنية، تلك العقول التى تتفاخر بعدد أكشاك بيع الكتب، وهى تعلم جيدا أن عدد الإصدارات أقل بكثير من أسماء أكياس الشيبسى واللبان التى تبيعها تلك الأكشاك.. تلك العقول التى يعرف أغلبها الفرق بين جائزة نوبل فى الآداب، وأى جائزة أخرى تافهة، تلك العقول التى تتسابق على دعوة المطربين الأجانب لحفلات الأوبرا، رغم أن علاقتهم باللغات الأجنبية تشبه علاقتى بعلم الجينات.
العتاب الأكبر هنا ليس على الوزير لأن أحدا لن يحاسبه، ولكن اللوم الأكبر على الفنان محسن شعلان، الذى بكى داخل السجن ليثبت براءته، وبكى خارجه ليؤكد أنه ضحية للوزير، وصدعنا أياما وليالى بالحديث عن 60 لوحة رسمها بالسجن عن معاناته من الظلم، حتى كدنا نصدقه وننظم مظاهرات مؤيدة له ونحن نسح بالدموع على قيمته التى أهدرت بالسجن، إلى أن صدمنا بفرحته الغامرة بلقاء الوزير ومسامحته له، ورغم تفاؤلنا فى بداية الأزمة بأنها جعلت مسئولى وزارة الثقافة عرايا أمام الرأى العام، فإذا بنا نفاجأ بهم يفرحون بهذا العرى ويتبادلون القبلات على سلم الوزارة.. هكذا ضاعت القضية، إذن ولا عزاء لفان جوخ..