يرى البعض أن تحولا «ما» طرأ على تفكير النظام فى الشهرين الأخيرين، وخصوصا فيما يتعلق بالإعلام، واستشهدوا بعدد من القرارات (أو الصفقات) التى حدثت تباعا، ترك حسين عبدالغنى منصبه كمدير لمكتب قناة الجزيرة بالقاهرة، بيع جريدة الدستور المستقلة لرئيس حزب الوفد ورجل الأعمال السيد البدوى شحاتة، والتضييق على قناة أوربت السعودية والتخلص «بحرفنة» من عمرو أديب وبرنامجه «القاهرة اليوم»، ترك إبراهيم عيسى لـ أون تى فى، وكثرة التوضيحات والتبريرات التى تقدمها «المصرى اليوم» لقرائها، ونية رجال الأعمال الكبار فى الحزب الحاكم إنشاء قنوات فضائية وصحف، ويرى هؤلاء أن ما يحدث هو مقدمة لتضييق هامش الحريات الذى تم انتزاعه فى السنوات الخمس الأخيرة من بين أنياب النظام، وخصوصا أيام بوش الابن، وربط أصحاب هذا التحليل ما يحدث بصعود اسم جمال مبارك بقوة بعد مرض أبيه الأخير كرئيس مرتقب لمصر، ولكن الأسبوع الماضى شهد تحركات فى اتجاه آخر، بدأ بتصريحات واثقة لرئيس الوزراء «البلد فيها قيادة» وانتهى بكلام وزير الخارجية للحياة اللندنية بأن «مبارك مرشح الرئاسة فى 2011، ولا يوجد توريث فى مصر»، بين التصريحين، قام السيد الرئيس بزيارة ميدانية إلى برج العرب استمرت ساعتين، تتجاوز فكرة النشاط التقليدى لرئيس دولة يتحرك فى إطاره السياسى، إلى محاولة تبديد الشائعات عن اعتلال حالته الصحية كما قال قادة فى الحزب الوطنى للشروق، وأنها حملة رئاسية مبكرة يراد بها(على حد تعبير أحدهم) «كل واحد يلزم حدوده، هذه ليست دولة بلا رئاسة أو قيادة»، ثم اللقاء مع وفد الفنانين، الذى أسفر عن قرار عظيم، وهو إعادة شركات السينما الحكومية من دور عرض واستديوهات ومعامل وما تملكه وتوزعه من أفلام إلى وزارة الثقافة، وانتزاعها من وزارة الاستثمار (قطاع الأعمال سابقا)، وهو تصويب لوضع غير منطقى، لأن مصر كانت الوحيدة فى العالم التى تملك شركات للسينما غير تابعة لوزارة الثقافة (على حد تعبير سمير فريد فى المصرى اليوم)، ثم جاء لقاء الرئيس بالمثقفين والأدباء، ربما ردا على لقاء نجله بمثقفين من نوع آخر (باستثناء جابرعصفور) قبل أسابيع، الذين حضروا اللقاء معظمهم أساتذة كبار وأصدقاء، اختارهم فاروق حسنى بنفسه كما ذكر يوسف القعيد الذى حضر اللقاء فى الدستورـ ووافقت عليهم الرئاسة، ولا يستطيع أحد أن يعترض عليهم، ولكن المشكلة الساسية أن الوجوه التى حضرت اللقاء الذى استمر لمدة أربع ساعات، هم الذين تم اختزال الثقافة المصرية فيهم، وهم الذين يحضرون دائما، وهم أيضا الذين ارتبطوا بعهد فاروق، ومن الصعب على أى منهم أن يعبر عن أشواق الثقافة المصرية الحقيقية أمام السيد الرئيس، لا يوجد شاب واحد بين الوجوه الـ11، كأن الحياة توقفت، ربمايكون السبب أن قطاعا عريضا من أصحاب الرؤى المختلفة فى الثقافة المصرية على خلاف مع سياسات وزير الثقافة الاستعراضية، وربما كان اللقاء «الرمزى» مطلبا آنيا، يمكن تطويره، ويلتقى الرئيس بوجوه أخرى غير مؤممة. دعم المشروع الطموح للترجمة بـ15 مليون جنيه مكسب كبير، ولكن أين كتب المشروع؟ فى الشارع.. ودعم اتحاد الكتاب بخمسة ملايين مكسب كبير أيضا لمشروع العلاج، وليت وزارة الثقافة ترفع يدها عن العمل الأهلى وتترك الكتاب يشكلون نقابتهم ويديرونها بعيدا رجال الوزير ودعمه. أهم ما فى اللقاء فى رأيى هو أن السيد الرئيس بصحة جيدة وذهن متقد، وأن الرسائل التى بعثت بها الرئاسة للناس وصلت، وأن توريث مصر ليس بالسهولة التى يتخيلها رجال الأعمال والعاملون معهم فى الإعلام.
قبل لقاء الرئيس بالمثقفين والأدباء بثلاثة أيام، سألت الشروق وزير الثقافة: «كيف ترى مستقبل الرئاسة فى مصر وكيف تنظر لطرح جمال مبارك لخلافة والده؟» فأشاد بالابن وطموحاته الاقتصادية، واعتبره نموذجا محترما جدا، وتمنى أن يتولى مصر من يصلح أيا كانت طبيعته، وقال أيضا إنه «ما دامت هناك مشروعات، فليكن أيا من كان الذى يطبقها، من يأتينى ببرنامج أنا أمشى وراه»!