إذا وافقتنى الرأى على أننا الآن أمة متخلفة تعيش عالة على حضارة الغرب، فأكمل قراءة المقال، أما إذا لم تكن من أنصار هذا الكلام، فرجاء لا تتعب نفسك بمطالعة السطور التالية!
بداية علينا الاعتراف بشجاعة بأن كل ما نستخدمه فى حياتنا اليومية من أدوات وأجهزة وآلات لم تكن من اختراعنا نحن المصريين، ولا العرب، ولا حتى المسلمين.
فالسيارة والقطار والطائرة والموبايل والكومبيوتر والتليفزيون والثلاجة والغسالة والبوتاجاز... الخ كلها من اختراع الغرب الذى يسيطر على العالم كله بعلمه وفكره وأسلحته الفتاكة منذ أكثر من خمسة قرون.
أما نحن العرب فقد أصبحنا فى ذيل القائمة الحضارية بامتياز، بعد أن تمكنا من إضاءة العالم بأنوار حضارتنا مع مطلع الإسلام حتى انهيارنا مع سقوط دولة الأندلس عام 1492.
حسناً.. لماذا تأخرنا وصرنا أمة متخلفة تستهلك ولا تنتج؟ بينما تقدم الغرب فابتكر وأنجز وسيطر على العالم كله؟ هل يعود الأمر إلى أننا نعانى من "جينات" تخلف تسرى فى دمائنا كما يقول بعضهم؟ وأنه لا أمل لنا على الإطلاق فى أن نتطور لنصبح أمة عصرية! ودليلهم على ذلك أنه لا يوجد شعب الآن فى سنة 2010 لا يعرف كيف ينظم المرور فى مدينته، ولا توجد حكومة فى العالم كله تعجز عن تنظيف الشوارع وإزالة القمامة المكدسة فوق الأرصفة كما نرى فى القاهرة المسكينة.
فضلاً عنه لا مكان محترم فى الأرض لأمة تعدادها زاد عن 80 مليون إنسان تقبل أن تظل محكومة بقانون الطوارئ 29 عاماً متصلة! كما لا يمكن تفسير انصياع الشعب وخنوعه أمام بطش السلطات فى عصر ازدهار الديمقراطية على كوكبنا إلا إذا كان هذا الشعب موبوءاً "بجينات" تخلف تجعله راضياً بالذل والفقر والهوان.
هذه أمثلة بسيطة يروجها أصحاب نظرية "الجينات" إياها، وهى نظرية تبدو منطقية إذا عجزنا عن قراءة واقعنا الفكرى والسياسى قراءة دقيقة وصحيحة.
لماذا واقعنا الفكرى والسياسى تحديداً؟
لأنه إذا لم نغير طريقة تفكيرنا، فلن يمكننا تغيير واقعنا السياسى البائس الذى أدى إلى أن يقبض على السلطة نظام استبدادى يحابى الأثرياء ويدللهم، ويقهر الفقراء ويذل أنفاسهم.
أغلب الظن أن جوهر مأساتنا نحن المصريون يكمن فى أننا قررنا مخاصمة الحياة الدنيا، واكتفينا بالبحث عن الطريقة التى نربح بها الحياة الآخرة!
كيف؟ من خلال أسلوب التفكير الخاطئ الذى يختزل الحياة فى كونها مجرد "محطة" صغيرة تصل بنا إلى شاطئ الحياة اللانهائية فى السماء، وبالتالى لا داع لأن نكافح ونناضل ضد الذين يغتصبون السلطة ويقهروننا ويتركوننا فريسة لوحش الغلاء، مادمنا فى النهاية سنرحل كلنا عن هذه الدنيا الفانية، أغنياء وفقراء.. حكام ومحكومين، لنحشر يوم الحساب العظيم، ويلقى كل منا جزاءه. وعليه ينبغى الصبر على المكاره، واحتمال الصعاب، مادامت منغصات الحياة تآمرت علينا حتى يقضى الله أمرأ كان مفعولاً!
هذا بالضبط المنطق الذهنى الذى يحرك المصريين، من دون أن يعوا ذلك، وهو منطق كما ترى مغلوط ومأزوم، لا يسعى إلى تغيير الحياة نحو الأفضل والأجمل، بل يحد من أى فعل ينشد العدل، ويقتل أى رغبة فى مقاومة الظلم.
أما فى أوروبا وشرق آسيا، فالأمر مختلف تماماً، إذ قرروا هناك أن يصنعوا الجنة فى الأرض، لأن الحياة جميلة يجب أن تعاش بكرامة وعزة. وهكذا انتفض الأوروبيون قبل قرون ضد الطغاة من الحكام، وضد الغلاة من رجال الدين، حيث قاد أهل الكلمة هناك ثورة فكرية شاملة ضد كل ما يجافى المنطق ويخاصم العقل، حتى لو كان له فى قلوب العامة مكانة مقدسة بفعل شيوع الخرافات وانتشار الأساطير التى كان يقف وراءها رجال الدين عندهم.
باختصار... لقد تقدم الغرب وابتكر وأنجز لأنه تعامل مع الحياة بجدية تليق بها، بينما نحن لم نفهم الدين الإسلامى جيداً، فاختزلناه إلى مجرد طقوس شكلية ظناً منا أن هذا سيمنحنا نعمة دخول الجنة.
ترى هل نطمع فى أن يقود رجال الرأى عندنا ثورة تزيح الآراء المتخلفة والأفكار البالية التى تعشش فى أذهان المصريين منذ عدة عقود ، والتى لا ترى فى الحياة سوى مجرد "محطة" صغيرة لا تستحق أن تعاش بكرامة وعزة، مادمنا سنحظى بنعيم الجنة فى الآخرة كما يعتقد الكثير منا؟
ملحوظة أخيرة:
من فضلك تذكر الآية الكريمة "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة