أعترف أنى ظلمت كثيرا من الصبية المتحرشين وتجنيت عليهم فى البحث عن نوايا كنت أظن أنها خبيثة.. هؤلاء المنتشرون فى الحدائق والشوارع وأمام السينمات شُعثا غبرا وعلى وجوههم نظرة الحرمان، اللاهثون وراء أى قطعة لحم أيا كان لونها، لو كان لدى هؤلاء متعة سوى هذه ليمارسونها فى العيد ما كانوا فعلوا هذا، هؤلاء نواياهم طيبة، ولكننا تسرعنا فى الحكم عليهم وظننا أنهم منحرفون فاسدو الأخلاق، فاتضح أنهم طاقات سياسية كامنة لو استطعنا أن نستغل حماسهم فى التغيير لصار شكل هذا البلد مختلفا.
نعم يا سيدى.. هؤلاء هم الملخص الحقيقى للوضع السياسى الذى سنواجهه، إنهم متحرشون فقط من أجل التغيير.. نحن رفضنا التغيير فى الاستفتاءات والانتخابات السابقة، وفقدنا الأمل فى البرادعى حتى إننا نسينا شكله، لكن هؤلاء الصبية الذين يعانون من الحرمان والتناقض الأخلاقى ويرفضون الاستسلام لنتيجة الفساد الشاسع من حولهم قرروا أن يخوضوا معركة التغيير على مزاجهم وكيفما هداهم الشيطان، لا يعنيهم الطريقة بقدر ما تعنيهم النتيجة، لماذا لا تعاكس وأنت تعلم أن الأمل فى التعارف موجود، ولماذا لا تتحرش وأنت تعرف أن الاستسلام للمساتك وارد، كيف تكون قاب قوسين أو أدنى من تغيير مزاجك الحسى للأفضل ولا تتقدم خطوة نحو تلك الفريسة طالما لن يحميها أحد منك.
لا يغضب منى نشطاء التغيير فلا هم استطاعوا أن يقنعونا به ولا نحن أردنا أن نفهمه، فلنترك إذن كل فئة فى هذا البلد تغير كما تريد، ماذا تنتظرون من تعليم فاشل وشوارع مختنقة ومدارس مهدمة وعقول فاسدة منتشرة فى كل شبر من هذا البلد ها هى النتيجة أمامكم متحرشون أشبه بالوحوش الهائجة، وحدائق تحولت فى الأعياد لمزابل أخلاقية وأرصفة تحولت لبؤر فساد، المبرر الوحيد أنه عيد والكل مباح، فأنت الآن فى الشارع وما أدراك ما الشارع المصرى..
بعضنا يقول إنهم نموذج سيئ لا يعبر عن عموم الشباب المصرى.. ربما، ولكن إذا كان النموذج بهذا العدد فيالبؤس شعب فيه كل هذا العدد من السيئين، هؤلاء يا سيدى نتيجة طبيعية للفساد فهموا خطأ أن التغيير هو أن تتكيف مع الوضع الذى تعيش فيه بأى شكل، أن تطفئ شبقك الجنسى بلمسة حرام مسروقة، وأن تقتل حرمانك العاطفى بضحكة رقيعة من فتاة عديمة الأدب، المهم أن تشعر بتغيير، نعم هذا هو التغيير الذى ستطمأن به على مستقبل ولأدك.