كل واحد من هؤلاء يمكنه أن يعيش سعيدا، ناجحون فى مواقعهم العلمية والاجتماعية، لايفتقدون التواصل، ولدى كل منهم تلاميذ وزملاء وأصدقاء، وعمل ناجح معنويا وماديا. فما الذى يدفعهم الى العمل العام ومواجهة المضايقات؟. ربما هى فكرة الإيمان، وأن يكون وليس فقط أن يملك. أتحدث عن الدكتور محمد أبوالغار الأب الروحى لحركة استقلال الجامعات، والدكتور عبدالجليل مصطفى صاحب دعوى إلغاء الحرس الجامعى. ومثلهما عدد كبير.
الدكتور محمد أبوالغار عالم فى مجاله وأبحاثه تملأ السمع والبصر، هو أبوأطفال الأنابيب فى مصر والعالم العربى. وهو أستاذ مرموق فى الطب. والدكتور عبدالجليل مصطفى، أستاذ القلب، بطب قصر العينى.. كلاهما حقق ذاته بمفهوم العامة. ويمكن لأى منهما أن يغلق عليه بابه، أو ينطلق ليستمتع بالحياة. لكنهما فضلا العمل العام والدعوة للتغيير، يشعران بخطورة مايجرى، واختارا الجامعة كأهم مكان للتغيير. يسعيان لاستعادة القيم الجامعية العلمية.. وأسسا جماعة 9 مارس.
جماعة 9 مارس جماعة أكاديمية لا تلعب دوراً سياسياً، تسعى إلى رفع مستوى التعليم الجامعى، والتأكيد على تكافؤ الفرص فى الجامعة، وتشجيع البحث العلمى، والدفاع عن الحريات الأكاديمية. الجماعة حصّلت شعبية وتأييدا واحتراما بفضل وجود شخصيات مرموقة. وعلماء متحققين علميا وإنسانيا. ولدى كل منهم فضيلة الاستغناء، فلا أحد منهم طالب شهرة أو زعامة، بل تغيير، يؤمنون أنه لاعلم دون استقلال وقيم تحميه. 9 مارس هو التاريخ الذى استقال فيه أحمد لطفى السيد أول رئيس للجامعة المصرية، اعتراضا على قرار وزارة المعارف بإبعاد طه حسين، ليعود عام 1935 ويستقيل مرة أخرى عام 1940، اعتراضا على التدخلات.
أبوالغار وعبدالجليل وغيرهما انخرطوا فى الدفاع عن قيم الجامعة واستقلالها.. ولم يكن الحرس الجامعى سوى الجزء الظاهر، فالتدخل وتوريث المواقع الجامعية وغياب العدالة تراكمات أخرجت الجامعة من مهمتها الرئيسية ونقلتها الى خانة البيروقراطية، ولهذا فإن محاولة استعادة استقلال الجامعة، انتزاع لها من نظام مصمم للأغبياء. الدكتور محمد أبوالغار له اهتمامات تعليمية وعلمية وسياسية وفكرية. ويعتبر دور الجماعة محاولة لإيقاظ الوعى العام. وسط ابتعاد أغلبية الاساتذة عن النشاط العام، بسبب اليأس، واللامبالاة، أو الخوف، وربما الرغبة فى الحصول على منصب.. والجامعة نموذج لمصر.
الدكتور عبدالجليل مصطفى شارك فى كفاية وفى اللجنة الوطنية وهو منسقها العام، لكن إنجازه، وغيره فى حركة 9 مارس، بالرغم من أنه يبدو بطيئا فهو مؤثر، وهو الذى وقف وراء دعوى إلغاء الحرس الجامعى حتى حكم الإدارية العليا، وحتى لو كانت هناك توقعات بالالتفاف حوله، فهو مثال على إمكانية التغيير من خلال القانون. والافكار الصغيرة هى التى تصنع النظريات، والتغيير مهما كان بطيئا يمكن أن يكون مؤثرا.بفضل هؤلاء العلماء الذين يرفضون إغلاق الأبواب على أنفسهم.