بعد أسابيع من الزحام والمسيرات والمؤتمرات جاء يوم الانتخاب، وهى ليلة الدخلة بالتعبير الشعبى، لأنها ليلة تأتى بعد أسابيع وشهور من التجهيز، والجولات والمفاوضات، لا أتفق مع كثيرين توقعوا أن تكون هذه الانتخابات هى الأعنف لأن كل انتخابات سابقة كانت تشهد عنفا من نوع ما، كان هناك قتلى وجرحى فى انتخابات 2005 وما قبلها، وكان هناك شراء أصوات وبلطجة.
الانتخابات موسم وأكل عيش لقطاع كبير من محترفى الانتخابات..
اليوم هو ليلة الدخلة للحزب الوطنى والأحزاب والمستقلين والمحظورين، وبينما تقرأ هذه السطور يكون هناك مئات الآلاف من المواطنين المصريين فى الريف والحضر يتوجهون إلى صناديق الانتخابات للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات وصفت بأنها الأخطر ولا نعرف لماذا هى الأخطر، مع أنها انتخابات بالكربون من انتخابات سابقة جرت فى مصر خلال ربع قرن وانتخابات سبقتها وأخرى سوف تلحقها لا تختلف كثيرا كما يجرى اليوم.
لم تكن انتخابات برامج لكنها تركزت حول شعارات الإخوان المسلمين، أصروا على شعار الإسلام هو الحل وهو شعار غامض خالى من المعنى، نجح مرة وأرادوا أن يستخدموه طوال الوقت، مع أن الاسلام ليس فى اختبار، والحزب الوطنى أصر على مصادرة الشعارات الدينية ورفع شعارات بالإنجازات التى تمت منذ الانتخابات الماضية، وهى أيضا شعارات خالية من أى معنى أو مضمون.
ربما كان الجديد هذا العام هو العدد الكبير من اللواءات الذين ترشحوا بصفة فلاحين، أو البهوات الذين ترشحوا عمال، وهى يشترك فيها الحزب الوطنى مع الأحزاب والإخوان والمستقلين.
الغريب أن البعض توقع أن تكون هذه أعنف انتخابات ويكفى أن يقول واحد إنها ستكون عنيفة حتى يردد الآخرون وراءه "عنيفة عنيفة"، مع أن كل انتخابات سابقة لم تخل من عنف، وهو عنف يدخل فى سياق الخشونة الانتخابية، ويتضاعف فى الدوائر التى تكون المنافسة فيها قبلية وعائلية أكثر من غيرها.
الجديد أيضا هو تضاعف عدد الوزراء الذين رشحهم الحزب الوطني، ولا أحد يعرف حتى الآن لنماذا يترشح الوزير، وكيف يمكن أن يجمع الشخص بين كونه عضوا فى السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، الدستور المصرى والقانون لا يقولان شيئا ولا يوجد موانع من ترشيح الوزراء لكن المنطق والعقل لا يقران أن يكون الوزير فى الحكومة والحزب الحاكم ومجلس الشعب، ليجمع بين السلطات ويحولها إلى "سلطات" بفتح السين.
لقد أرسى الحزب الوطنى عددا من "الشعارات" أو الاختراعات البرلمانية لم يسبق لها مثيل فى العالم، فهو صاحب المبدأ البرلمانى "المجلس سيد قراره" والذى سمح بوجود نواب مطعون فى عضويتهم، بالرغم من صدور احكام قضائية، وهو الذى أرسى الخلط بين السلطات والانتخابات وحول الوزراء إلى نواب والنواب إلى وزراء.
ما الجديد إذن فى الانتخابات، نفس الاتهامات السابقة بالتزوير، والحقيقة أن الحزب الوطنى احترف اللعبة الانتخابية وأيضا جماعة الإخوان احترفتها، هناك اتهامات وأصوات عالية ورشاوى انتخابية وشعارات فارغة، وفى النهاية سوف تفوز أغلبية حزب وطنية وأقلية إخوان وشوية من الأحزاب لتنتهى اللعبة بإرضاء الجميع، وكل انتخابات وأنتم متفرجون.