الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية على الأبواب، وفى دول العالم الثالث.. تلك الدول التى تطل الديكتاتورية من شبابيبك قصور حكمها تعتبر الانتخابات حدثا كريها، وغير مرغوب فيه، ليس فقط لأن الانتخابات تمثل مظهرًا من مظاهر الديمقراطية المفقودة التى لا يريدها حكام دول العالم الثالث، ولكن لأنها تشكل موسما عنيفا تستقبله الحكومة باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستثنائية والقمعية حتى تضمن تماما مرور العملية الانتخابية بتزويرها وتلفيقها وتزييفها وبلطجتها بدون أى شوشرة داخلية أو فضائح دولية، وإن كانت الشهور الماضية شهدت بداية هذه الإجراءات الاستثنائية بإظهار العين الحمراء لوسائل الإعلام والحركات السياسية فإن الفترة القادمة ربما تشهد تطورات جديدة تواكب تلك العودة التى فاجأ بها تنظيم القاعدة العالم بعد فترة ثبات طويلة..
الإجراءات المتوقعة هنا تتعلق باحتمالية ظهور تلك التنظيمات المسلحة.. ذلك البعبع الذى تخرجه دول العالم الثالث أو حتى الدول الكبرى من قمقمه حتى تفسح به مجال أكبر لسيطرة أجهزتها الأمنية، وإذا كانت مواسم تمديد قانون الطوارئ هى الأكثر ازدهارا فى مسألة التنظيمات المسلحة فإن الانتخابات القادمة ومواكبة نشاط القاعدة وتزامنها مع تصريحات عبود الزمر الغاضبة ورغبة الدولة فى فرض سيطرتها تؤكد أن الفترة القادمة قد تشهد ظهورا فعليا أو حتى إعلاميا لبعض التنظيمات أو الخلايا النائمة حتى ولو كانت عبارة عن مجرد قضايا قديمة تحتفظ بها أجهزة الأمن حتى يعيد موعد ظهورها.
نحن لا نشكك فى مصداقية أجهزة الأمن فيما يتعلق بمسألة الخلايا النائمة والتنظيمات المسلحة التى يرتبط ظهورها بمواسم معينة ولا أحد يستطيع ذلك طالما لا يملك دليلا، وطالما بقيت أجهزة الأمن محتفظة لنفسها بكل الأدلة وعلى رأسها الاعتراف الذى هو سيدها والذى ظهر فى قضية خلية أو تنظيم حزب الله التى تعتبر الأشهر فى الفترة الأخيرة، وفى الوقت نفسه ليست سوى حلقة فى سلسلة تنظيمات مسلحة طويلة لم تكل الدولة فى الإعلان عنها طوال السنوات الأربع الماضية، بشكل يجعلنا نتوقف أمام العديد من التساؤلات على رأسها هل دخلت مصر حزام العنف مرة أخرى؟ وهل أرض مصر أصبحت "سداح مداح" بهذا الشكل الذى يجعلنا نتعثر فى تنظيمات مسلحة وخطيرة كلما غدونا لمشوار أو عدنا منه؟ وهل أجهزة الأمن المصرية بارعة إلى هذا الحد فى إسقاط التنظيمات مثل براعة "نيو بيرسول" فى إسقاط الذباب الطائر، وتعانى أزمة ما فى حل لغز قضايا القتل والسرقة وخلافه؟ ثم إن الطريقة التى تم بها اكتشاف هذه التنظيمات متشابهة إلى حد يجعل لكلام أهل المعارضة فى مصر معنى، حينما يؤكدون على أن هذه التنظيمات مفبركة ويستخدمها الأمن للتغطية على أشياء لا يريد للناس تذكرها، مثلما أكد على ذلك محامى الجماعات الإسلامية منتصر الزيات مصرحا عقب القبض على أعضاء تنظيم حزب الله أن الدولة فبركت هذا التنظيم، لأنها أرادات التغطية على فشلها فى حل لغز تفجيرات الحسين.
كلام منتصر الزيات وغيره من رموز المعارضة فى مصر يضرب على وتر حساس وهام، ولكننا سنبتعد عنه كرها فى نظرية المؤامرة ورغبة فى الخروج من شرنقتها المعقدة، وننطلق إلى زوية أخرى لا تشكك فى مصداقية أجهزة الأمن ولا تشكك فى خطورة التنظيمات التى تعلن كل فترة عن سقوط أحدها سواء أكان تنظيم "جماعة إحياء الجهاد" أو "جند الله" أو "أحباء الظواهرى" أو "الوعد" أو "التوحيد والجهاد المصرية" أو "الطائفة المنصورة".. ولكننا سنتوقف كثيرا أمام الطريقة التى تستخدم بها الدولة هذه التنظيمات من حيث التوقيت والهدف والتأثير، لأن الدولة ليست بريئة تماما من دم هوجة التنظيمات التى تسود البلد فى السنوات الأخيرة، بحيث بات واضحا أنها كلما "اتزنقت" فى تمرير شىء ما أو ضرب هدف ما لم تعد تخلع مثلما كان يفعل عبد الله فرغلى فى مدرسة المشاغبين هى فقط تفتح أدراجها وتسحب واحدا من الملفات الموجودة لتنظيم ما وتعلن عنه، تكرار الطريقة يجعلنا أمام نوع جديد من التنظيمات صحيح أنها مسلحة، وصحيح أنها خطيرة، ولكنها تنظيمات وليدة يحصدها الأمن كما يحصد المتسولون من الشوارع ويختزنها لوقت اللزوم، أو بمعنى آخر تنظيمات نجحت أجهزة الأمن فى تحويلها من تنظيمات مسلحة تشكل خطرا على الدولة إلى تنظيمات للضرورة تستخدمها الدولة، لتحقيق أهدافها بشكل غير مباشر.
ويمكنك أن تلاحظ أن التنظيمات التى تم القبض عليها منذ سنة 2003 حتى الأن يجمع بينها الآتى:
1- الإعلان عن التنظيم يتم بشكل فجائى وبدون أى مقدمات.
2- تكتشف أن الفارق بين القبض على التنظيم والإعلان عنه قد يتعدى 6 شهور وأكثر مثلما هو الحال مع تنظيم حزب الله فى مصر الذى تم القبض عليه فى ديسمبر 2008، وتم الإعلان عنه فى إبريل 2009.
3- تكتشف فجأة أن أهالى أعضاء التنظيم سبق وأن تقدموا بشكاوى لأجهزة الأمن حول اختفاء أبنائهم ويصدمك رد أجهزة الأمن الذى يؤكد أنه لا يعرف عنهم شيئا.
4- الإعلان عن التنظيم يصاحبه زغاريد من صحف الحكومة ووسائل إعلامها لتعويض ما لحق بأجهزة الأمن عار الفشل فى حل قضايا القتل أو التعذيب.
5- دائما ما يتزامن الإعلان عن اعتقال تنظيم جديد مع حدث هام أو غير اعتيادى مثلا تنظيمات مثل "جند الله" أو "الطائفة المنصورة" تزامن الإعلان عنه مع الحديث عن تمديد الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب، أو كما حدث تنظيم حزب الله الذى تزامن الإعلان عنه، مع ارتفاع موجة الصراع بين الدول العربية وحزب الله، ومع حدث هام هو الإنتخابات اللبنانية.
6- يتقدم المحامى الشهير منتصر الزيات لينصب نفسه مدافعا عن أعضاء التنظيم، وكأنه صاحب توكيل الدفاع عن التنظيمات المسلحة فى مصر.. بالمناسبة الزيات يفعل ذلك سواء وكله المتهمون أو لا، وسواء كان التنظيم سلفيا أو شيعيا.
7- تشكك منظمات حقوق الإنسان ويظل الناس فى الشارع على موقفهم من عدم الثقة فى الدولة، خاصة حينما يشاهدون بكاء الأهالى أو يقرءون نصوص التحقيقات أو يسمعون مبررات الاعقتال وأدلة الإدانة.
8- أسبوع وراء أسبوع تختفى أخبار التنظيم وتفاصيل محاكمته حتى تشح فى السوق تماما، مثلما تشح أنابيب البوتاجاز فى الشتاء، ثم يختفى التنظيم وأخباره تماما وكأنهم افتتحوا لمثلث برمودا فرعا فى القاهرة.
9- تمر سنوات طويلة وتجد صفحات الحوادث تباغتك بخبر من سبعة أسطر عن شكوى أم أو زوجة اختفى زوجها فى غياهب السجون وكان متهما فى قضية كذا، تفاصيل الإفراج عن عدد من المتهمين فى قضية كذا مثلما فوجئنا بأنه بعد أكثر من سنة أن هناك تنظيما تم اعتقاله لاشتباه وجود علاقة له بتفجيرات الدار البيضاء أو منفذيها.
العناصر السابقة مجتمعة تشكل مسار تنظيمات الضرورة فى مصر أو تلك التنظيمات التى يختزنها رجال الدولة فى ملفاتهم، لحين يأتى لها وقت تكون فيه أكثر فائدة من مجرد الرمى فى السجون، فهل تتحول تلك التنظمات إلى ورقة لعبة رابحة يتم استخدامها خلال الموسم الانتخابى القادم الذى نعرف جيدا أنه الأخطر فى السنوات الأخيرة والقادم على وجه التحديد؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة