أنا شخصيا مفلس، وقدمت على قرض بفوائد مرتفعة، أحصل أنا على القرض ومصر تأخذ الفوائد، وحين أقبض مرتبى كل شهر يقتطعون جزءا كبيرا منه من أجل مصر، ويضحك على صبى الميكروباص فى ربع جنيه يوميا، أعتبره صدقة جارية هدية منى إلى مصر.
وفى طفولتى كنت أذهب إلى المدرسة فيصبّحنى المدرس بخمس أو ست عصيان على غيار الريق، كتحية صباحية لمصر، ويسرق منى العيال الساندوتشات لأن مصر التى هى أمهم لم تعطهم ساندوتشات مثلى، أو أنها أعطتهم لكن ساندوتشات مصر لم تكن مشبعة، وكان اللى ميدفعش المصاريف لمصر يعبط على مؤخرته بجوار العَلَم.
وحين كبرت ألقتنى مصر فى كلية يزيد عدد طلابها فى القاعة الواحدة على 6 آلاف طالب، وكان الدكتور يبيع الكتاب بمائة جنيه وهو مطبوع على ورق لحمة، والدفع أو الرسوب وفى السجل المدنى حين أردت أن أستخرج بطاقة لأصبح مواطنا صالحا فى المجتمع، طلب منى الموظف رشوة عشرين جنيها، وحين ذهبت إليه ثانية لأستخرج «فيش وتشبيه» طلب عشرين أخرى، فاعتبرت الرشاوى الإجبارية هدية خالصة منى لمصر.
لى جار دخل المستشفى ليجرى جراحة «الزائدة»، وخرج منه بأعضاء كثيرة «ناقصة»، وحين اكتشف وسأل وجد أن أحشاءه ذهبت إلى أحد المسؤولين وأقنعه الأطباء أن هذا عمل وطنى من أجل مصر، وأن هناك من يتبرع بنقوده، وهناك من يتبرع بروحه أو بأبنائه، وهناك من يتبرع بدمه أو بكليته أو بكبده أو بسجقه، وحين صاح فيهم: طب وأنا خدت إيه من مصر غير الهم والفقر والمرض، غنوا له جميعا فى صوت واحد: متقلش إيه إدتنا مصر؟ قديما كان المصلون فى صلاة الجمعة يتبرعون لوجه الله، ومن أجل مصر لبناء مسجد على أرض مصر، أو لكفالة يتيم مصرى، أو لبناء مستوصف يعالج المصريين، وفجأة توقف كثيرون منهم عن التبرع، بشهادة الأوقاف وشيوخ الجوامع، لأن اللى مش لاقيه البيت أكيد مش هيروح لمصر. > >
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة