بمنتهى الهدوء والبساطة والتلقائية قال السيد الدكتور المرشح النووى والنوبلى- نسبة إلى جائزة نوبل- أنه لن يعود إلى مصر إلا بعد انتهاء الانتخابات.. قالها الدكتور الذى جعلوا منه وجعل هو نفسه أيضا رمزا للتغير وشماعة جديدة علق عليها آلاف المصريين المئات من الأمانى.. قالها وكأنه يخبرنا بأنه فى طريقه من الحمام لغسل يديه من أحلامنا، قالها الدكتور المرشح النووى دون أن يدرك أن قراراه هذا لا معنى له سوى هروب قائد من ميدان المعركة بطريقة لا يمكن أن يتم وصفها سوى بأنها الأجبن فى التاريخ.
أنا، يا سيدى، لا أكره الدكتور البرادعى، ولكنى أدعوك لأن تنظر إلى سحب الإحباط التى ظللت فوق رؤوس هؤلاء الذين منحهم ظهور الدكتور أملا، فإذا به يخلو بهم مكتفيا بالتصريحات والحوارات للصحف الأجنبية، تأثير ما فعله الدكتور سيكون أسوأ بكثير من تأثير بقاء الرئيس مبارك ونظامه الرئاسى فوق أنفاسنا لمدة 30 عاما، لأن جريمة الدكتور تزرع الإحباط وتثبط الهمم بينما جرائم النظام الحاكم تشعل النفوس وتزيد الغضب حتى وإن بقى كامنا.
وقت ظهور الدكتور وارتفاع موجة المرشح النووى كتبت السطور القادمة ولا أجد شيئا أفضل من إعادتها عليكم الآن..
لو تابعت التحركات الأخيرة للمعارضة من أجل الاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة، ستكتشف أن ما يحدث هو معركة بين تيارات مختلفة من المعارضة كل تيار فيهم يزايد على التيار الآخر باسم أكثر لمعانا بغض النظر عن كونه يصلح قانونيا أو شعبيا لخوض معركة الرئاسة، ولا تستعجب إن طرح أحدهم اسم ممثل أو مخرج سينمائى أو حتى فنان تشكيلى، لأن العبث هو سيد الموقف فى اللعبة التى يلعبها أهل المعارضة الآن.
دعك من حالة الصمت التى يعيشها الحزب الوطنى وكأن الناس فى مقره الذى يطل على كورنيش النيل واثقين من نتيجة ما ستكون فى صالحهم، بغض النظر عن حقهم فى الاطمئنان تماما للنتيجة نظرا للاختيارات العبثية التى يطرحها أهل المعارضة، والصحف التى لا تجد شيئا لملء فراغها سوى طرح المزيد من الأسماء نظل نلهث خلفها ونعلق عليها الكثير من الأحلام ثم نكتشف أن أصحاب هذه الأسماء خارج اللعبة تماما مثلما حدث فى الإنتخابات الرئاسية الماضية وطرحوا اسم الدكتور زويل كمرشح للرئاسة ثم اكتشفنا بعد ذلك أن الدكتور زويل نفسه لم يكن يعرف عن أمر الانتخابات شيئا، سوى برقية التأييد التى أرسلها للرئيس مبارك.
نفس حدوتة زويل تتكرر الآن مع الدكتور محمد البرادعى المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية والحاصل على جائزة نوبل، حينما غلب حمار السادة الباحثين عن أى اسم يقيمون باسمه المؤتمرات وينشرون باسمه الكثير من الكلمات وجدوا ضالتهم فى الدكتور محمد البرادعى رغم أن الدكتور فى حالته التى هو عليها الآن لا يحق له قانونيا الترشح للانتخابات الرئاسية طبقا للتعديلات الدستورية الأخيرة، هذا بخلاف أن الدكتور البرادعى نفى وجود أى اتصالات مع أحزاب مصرية بخصوص هذا الشأن، ومع ذلك مازلنا نسمع اسم البرادعى يتردد كمرشح رئاسى منافس لمبارك، بل ونقرأ مقالات تؤكد أنه سيكون منافسا قويا.
الإصرار على الدكتور البرادعى مع كل احترامنا وتقديرنا له يعنى ببساطة أن هناك حالة إفلاس عامة تدعو أهل المعارضة فى مصر لطرح الأسماء وكأنها تضرب عيارى نار فى فرح شعبى، أى صحفى أو قيادى فى حزب معارض لا يجد مايقوله حينما يسألونه عن الانتخابات القادمة يلقى بأول اسم على باب ذاكرته ويؤكد بإصرار العابثين أن صاحب الاسم هذا يحظى بإجماع الجميع، بدليل أننا سمعنا أسماء بدأت بالمستشار هشام البسطاويسى رغم أن الرجل لم يتحمل معركة القضاء وسافر للكويت، ومرت على رؤساء الأحزاب واحدا واحدا رغم أنه ولا رئيس حزب فيهم يحظى بإجماع أعضاء حزبه، وانتهت بالدكتور البرادعى فى إحياء لذكرى ترشيح زويل بعد فوزه بجائزة نوبل، وكأن جائزة نوبل أصبحت مؤهلا سياسيا يمكن الحاصلون عليه من الجلوس على كرسى رئاسة الجمهورية، طبعا لا أحد ينكر قيمة الدكتور البرادعى وخبرته السياسية والقانونية على الساحة الدولية، ولكن هذا لا يكفى لأن الأمر لو تعلق بالخبرة الدولية والأداء الدولى سيصبح الرئيس مبارك على رأس قائمة مرشحى المعارضة، ولكن الأمر يتعلق برغبة هذا الشعب الذى يريد رئيسا يعيش معه معاناة الشارع والطوابير، ولا يصح أن تكون انتقادات المعارضة للرئيس مبارك أغلبها يتعلق بكونه مفصولا عن الشعب ولا يعرف مشاكله الحقيقية، ثم أذهب لأختار الدكتور البرادعى الذى يزور مصر مثله مثل السياح منذ سبعينات القرن الماضى، ثم قطع صلته الرسمية بها حينما ترك منصبه الدبلوماسى والتحق بالوكالة الذرية عام 1984.
مع كل تقديرنا واحترامنا للدكتور محمد البرادعى مصر فى تلك المرحلة ليست فى حاجة إلى خبير علاقات دولية، مصر فى حاجة إلى رجل يبنى بصدق هذا الداخل الذى ينهار، رجل على دراية بماحدث للشعب المصرى فى العشر السنوات الأخيرة، يمتلك من الصبر ما يجعله قادرا على أن يأخذ من هنا ليضع هناك، ويعيد توزيع كافة الأدوار بشكل عادل حتى يقف هذا الشعب على قدمه مرة أخرى، ولا تروح هذه البلد ضحية فوضى الطوابير والمحرومين من الطعام والحرية!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة