شنت الولايات المتحدة الأمريكية هجومها الضارى على أفغانستان وتخلصت من قوات "طالبان" فى 2001 وأتت برجلها حميد كرازاى رئيساً لأفغانستان، وبعد أن قررت الولايات المتحدة الأمريكية إعادة ترتيب العالم بعد عملية 11 سبتمبر الرهيبة شنت حربها على "الإرهاب" والتخلص نهائيا من كل المعوقات التى تقف فى مواجهة إسرائيل (حليفتها الأولى فى الشرق الأوسط) كان لابد وأن تفرض حلها النهائى على المسألة الفلسطينية (الصراع العربى الإسرائيلى) الذى يتمثل فى دولة يهودية (إسرائيل) تتمتع بكل المقومات والقوة والسيطرة الاقتصادية على الشرق الأوسط (وليس على المنطقة العربية فحسب) ودولة فلسطينية مشتتة الأطراف ومنزوعة السلاح.
ورغم الحصار الرهيب الذى كان مفروضا على ياسر عرفات، فقد رفض الرجل تلك الدولة المسخ إلى أن تخلصت إسرائيل من عرفات (بالسم أو بالموت) جاء محمود عباس/ أبو مازن رئيسا للسلطة الفلسطينية خلفا له، وبدأ الإعداد لقيام الدولة الفلسطينية/ المسخ بفرض المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، لكن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تخفى فى جرابها الرجل (الفلسطينى) الذى أعدته (بالاتفاق مع إسرائيل) لأن يلعب نفس الدور الذى سبق، وأن لعبه "كرازاى" كرئيس لأفغانستان وهو الملياردير (الفلسطينى) الأمريكى الجنسية منيب المصرى، وكان الرجل قد رشحه رئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين قبل ذلك فى بداية التسعينيات لأن يصبح رئيسا للسلطة الفلسطينية بديلا لياسر عرفات.
منيب المصرى رجل متعدد العلاقات السياسية الدولية مع أصحاب النفوذ العالمى بعلاقات شخصية وثيقة أمثال تونى بلير ونيكولاس ساركوزى ونتانياهو، كما أنه كان صديقا لرئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحيم بيجين، وهو يعد الآن من أقوى داعمى محمود عباس/ أبو مازن وسلام فياض ومنيب المصرى الذى تعدى الخامسة والسبعين من عمره مولود فى مدينة نابلس الفلسطينية لعائلة "المصرى" الثرية، وكان هو الأصغر سناً بين ثمانية إخوة من الذكور وأختين، وكان أبوه قد توفى و"منيب" لم يكمل السنتين من عمره، فقام أشقاؤه الكبار بتربيته إلى أن أنهى دراسته الثانوية فى سن السابعة عشرة. وغادر فلسطين إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1952 ليدرس فى جامعة تكساس، وحصل على شهادة البكالوريوس فى الجيولوجيا والماجستير فى الشئون والعلاقات الدولية.
فى هذه الفترة تزوج "منيب" من زميلته الأمريكية فى الدراسة وأنجبا طفلهما الأول "ربيح"، وأنجبا فيما بعد "مى" التى أصبحت بعد ذلك مخرجة سينمائية، و"منيب المصرى" مهندس بترول وعضو فى مجلس إدارة البنك العربى ويمتلك عدة شركات متخصصة فى حفر الآبار الارتوازية وآبار النفط فى عدة بلدان عربية. وكان قد تولى وزارة الأشغال فى الأردن عام 1975 فى وزارة "وصفى التل" الذى قتله الفلسطينيون فى فندق "شيراتون" القاهرة، وألصقت تهمة قتله بمنظمة "أيلول الأسود" انتقاما منه لدوره فى سحق المنظمات الفلسطينية فى "عمان" وطردها جميعا من كل الأردن، ومنيب المصرى له استثمارات كبيرة فى فلسطين والوطن العربى، وهو يحتل المرتبة 33 من حيث الثراء على مستوى البلاد العربية كلها، ولأنه يعتبر أغنى رجل فى فلسطين، فقد أطلقت عليه صحيفة "إندبندينت" البريطانية لقب "ملك الضفة الغربية"، وهو يقود الآن مشروع "المصالحة" بين "فتح" و"حماس" فهو لا ينتمى لأى منهما كما أنه ليس محسوبا على أية منظمة فلسطينية، بل إنه كان صديقا لياسر عرفات منذ عام 63.
وكثيراً ما كان يطرح على "عرفات" فكرة المقاومة السلمية للمحتل الإسرائيلى التى تضمن لإسرائيل حقها فى الوجود، وحقها فى العيش بسلام والتعايش مع الشعب الفلسطينى، وبعد فوز "حماس" فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية نصح أصدقاءه فى حماس علناً بعدم تشكيل حكومة ما دامت لا توافق على الاعتراف بدولة إسرائيل، يطلق عليه فى فلسطين لقب "الماسونى" بعد أن كشفت بعض الوثائق، والتى تم مصادرتها على أيدى قوات تابعة لمنظمة التحرير عام 1970 من مقرى المحفل الماسونى الأردنى، والتى تم نشرها عام 1985م كشفت عن أسماء الماسونيين الأردنيين فى الأردن والماسونيين الفلسطينيين فى الضفة الغربية، وجاء ترتيب منيب المصرى الـ 170 بين الماسونيين، وهو يعيش حاليا فى "قصره المقام على جبل "جرزيم".
وقد نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية فى سنة 2008 تحقيقا كتبه مراسلها دونالد ماكانتير بالغ الأهمية بعنوان "ملك الضفة الغربية" قالت فيه إن منيب المصرى أغنى رجل فى فلسطين قد اشترى عرش الخديوى إسماعيل ونقله إلى الضفة الغربية، والأغرب أنه يسأل كل من يجلس على عرش الخديوى من زواره سؤالا محددا: "هل الجلوس عليه يجعل شعورك أفضل؟" وقالت الصحيفة عن منيب المصرى فى التحقيق الذى نشرته: "إنه الرجل الذى بنا قصرا يحاكى قصور عصور النهضة خلال الانتفاضة الثانية، والآن يريد منيب المصرى تأمين دولة مستقلة لشعبه.. إنه لا يوجد الكثير من الأشخاص الذين يستطيعون بناء نموذج حقيقى لقصر لاروتونا الذى يعود للقرن السادس عشر، ويعتبر تحفة معمارية من تحف عصر النهضة، على قمة جبل مطل على مدينة نابلس التى تعيش الفقر والمعاناة المستمرة، هناك عدد أقل من الأشخاص الذين يختارون إكمال بناء هذا القصر خلال الانتفاضة الثانية، وذلك عندما كان المسلحون الفلسطينيون والإسرائيليون يتبادلون إطلاق النار بشكل يومى فى مخيم بلاطة الذى يقع على بعد 15 دقيقة بالسيارة من القصر.
منيب المصرى الذى يبلغ من العمر 74 عاما يمتلك مجموعة من التحف الأثرية جمعها خلال أسفاره الكثيرة كرجل أعمال دولى، والتى من بينها لوحات لكبار فنانى العالم من أمثال بيكاسو وموديجليانى وعرش الخديو إسماعيل، أحد ملوك مصر فى القرن التاسع عشر وجد الملك فاروق.. إنه رجل الأعمال التى تبلغ ثروته مئات الملايين، وهو أيضا المحسن الذى يتصدق لأعمال الخير، كما أنه كان صديقا مقربا من الزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، والذى عرض عليه رئاسة وزراء الحكومة الفلسطينية ثلاث مرات، ولكن منيب رفض العرض فى المرات الثلاث، وهو الرجل الذى يرفض العنف ويقول "إنه يعمل بلا كلل من أجل أن يرى دولة فلسطينية مستقلة قبل أن يموت.. قبل أن أرحل أريد أن أرى دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، فخلال الأعوام الخمسة والأربعين الماضية عملت من أجل السلام مع إسرائيل، لكنى أعتقد أنهم يفوتون فرصة كبيرة، فهم غير مدركين أن عليهم أن يعيشوا معنا، أى مجموعتين من الناس يعيشون على أرض واحدة.. كان الزعيم الراحل ياسر عرفات هو بطلى حتى فى الأوقات التى فشل فيها، وقلت لرئيس وزراء إسرائيل الراحل إسحاق رابين عندما طلب منى أن أكون رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية بدلا عن عرفات، إن عرفات هو الوحيد القادر على الوصول معكم إلى تسوية.. أنا أؤمن بشدة وبصدق بالمحادثات مع الإسرائيليين لكنهم يريدون أكل الكعكة كلها.. لقد جئنا إلى هنا ومعنا 170 مليون دولار كما 30 أو 40.. الآن لدينا 30 ألف مساهم.. نحن لم نمس أية أعمال تجارية قائمة، وبالنسبة لمنتقدينا من أهلنا الفلسطينيين، فنحن نرحب بأى شركة يريدون إقامتها، يتهموننى بالاحتكار ولكنى أقول لهم إنه لم يكن هناك أحد آخر يريد المجىء هنا للقيام بالأعمال ولديه سمعة معروفة.. أنا أؤمن بشدة وبصدق بالمحادثات مع الإسرائيليين لكنهم يريدون أكل الكعكة كلها، كما أنهم ليست لديهم الشجاعة كى يقولوا هيا نتشارك فى القدس، يمكننا حينئذ أن نصنع نموذجا، فهناك مكان يتسع لكل منا، أنا الآن عمرى 74 عاما، ولا أريد أن أرحل مثل عرفات دون رؤية القدس".
هذا ما قاله دونالد ماكنتير مراسل الصحيفة البريطانية الشهيرة عن منيب المصرى، والذى يخشى الموت قبل أن يرى القدس كما مات عرفات قبل أن يرى القدس، وقبل أن يكون هو أول رئيس لـ"الدولة الفلسطينية"، فهل يكون منيب المصرى هو أول رئيس للدولة الفلسطينية التى يقود منيب المصرى تمهيد الطريق إليها بقيادته لمشروع المصالحة بين فتح وحماس؟
سؤال سوف تجيب عليه الأيام القادمة.
* كاتب وروائى مصرى