الوحيد فى مصر من المسؤولين الذين لديهم قناعة بما يسمى بالحكومة الإلكترونية هو الدكتور أحمد درويش، وزير الدولة للتنمية الإدارية، وله الحق فى قناعته ودفاعه الدائم عن هذا المفهوم الذى سبقتنا إليه دول كثيرة فى المنطقة، ولذلك فهو المتفائل منذ توليه منصبه الوزارى فى يوليو عام 2004 بأهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه التكنولوجيا فى تقدم مصر، ولذلك نجده دائما يطلق التصريحات المتفائلة جدا، والتى قد لاتعجب البعض من نوعية أن «مصر تعد أول دولة تقدم الخدمة إلكترونياً» أثناء لقائه الأسبوع الماضى مع طلبة كلية التجارة بجامعة القاهرة حول مستقبل الخدمات الحكومية فى الخطة الخمسية القادمة.
الدكتور درويش أصغر وزراء مصر الآن - 51 عاما - يبدو أنه يعيش حلم وأمنية الحكومة الإلكترونية وحده، فالواقع لا يعكس حلمه على الإطلاق، والفكرة لم تصل حتى الآن سواء للحكومة البيروقراطية أو لجمهور المتعاملين مع الجهات الحكومية، و«الاستمارة مازالت راكبة الحمارة» على رأى إمام الشعراء فؤاد حداد، ولا يشعر أحد إلى الآن بمجهودات وزارته فى ربط الجهات الحكومية إلكترونيا للتيسير على المواطنين فى تخليص الخدمات، وبالتالى عدم تزاحمهم على مقار الهيئات الحكومية، ومازال، وهو الوزير التنفيذى، ينادى بأهمية هذا الربط لتوفير الجهد والوقت وتقليل الزحام وسرعة الأداء.
وأذكر مع بداية توليه الوزارة أنه أعلن عن إطلاق خدمة إلكترونية للاطلاع على المخالفات المرورية على شبكة الإنترنت، بالتعاون مع وزارة الداخلية، وهى المفاجأة السارة التى فرح بها كثير من أصحاب السيارات والمركبات للتخلص من عناء الذهاب إلى الإدارات المرورية، والمرور على منافذ الموظفين، وضياع الوقت والجهد لتخليص المعاملة، ولكن سرعان ما ذهبت الفرحة أدراج الريح مع بطء الخدمة ثم إغلاقها للتحسينات.
والأمثلة كثيرة، فهناك كثير من الوزارات والإدارات الحكومية تعانى من فقدان البنية التكنولوجية المتطورة التى تسمح بتطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية، إضافة إلى غياب الكوادر البشرية المؤهلة التى تساهم فى جعل المفهوم أمرا واقعا، فزيارة واحدة إلى معظم هيئاتنا وجهاتنا الحكومية يصطدم بأضابير الملفات الورقية القديمة وأجهزة الكمبيوتر المتهالكة التى لاتحقق أبدا حلم الدكتور درويش فى إمكانية وجود حكومة بلا ورق، فالبيروقراطية ليست وحدها فقط هى العائق أمام تحقيق حلم درويش، وإنما العقول المسؤولة التى يخيفها التطور ويرعبها المجهول.
فالمهم ليس فقط فى الإعلان عن إطلاق خدمة إلكترونية فى جهة حكومية ما، وإنما الأهم هو كيفية استمرار هذه الخدمة، ومدى توفر الإمكانات والقدرات البشرية التى تمنح تلك الخدمة استمراريتها وجودتها.
وهنا لامانع من الاستفادة من تجارب دول صغيرة سبقتنا فى تطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية، خاصة دولة الإمارات، وإمارة دبى تحديدا على سبيل المثال، والتى تقدمت كثيرا وبمراحل كبيرة رغم صغر حجمها وقلة عدد سكانها، ولكنها تتعامل مع المستقبل، وهى رؤية- للأسف- نفتقدها فى مصر.
فمازلنا نحتاج إلى رؤية واضحة لتطوير مؤسساتنا الحكومية، وإحداث ثورة تكنولوجية فيها لتوفير ملايين الساعات الضائعة.