الوحيدون الذين يشعرون بالانتصار هم الحزب الوطنى.. ولا نعرف كيف يشعر شخص بالانتصار وهو لم يخض المعركة وجها لوجه.. ربما كانت معركة، لكنها ليست معركة انتخابية، بل موقعة حربية استخدمت فيها الأسلحة بكل أنواعها، وانتزع الفوز لمرشحيه من فم المواطنين.. اللجنة العليا للانتخابات لم تقنع أحدًا، بأنها كانت عليا، بل كانت مجرد لجنة تدور فيها الأعمال بالنيات.. والنيات مبيتة.
الحزب الوطنى يقول إنه انتصر لأنه الأكثر تنظيمًا، ويروج أنه استخدم تكتيكات وإستراتيجيات، ولم نر سوى تكتيكات التقفيل المبكر، وإستراتيجيات السنجة.. وهو مثل رجل تدرب كثيرصا على أعمال النجارة وانتهى به الأمر لتحطيم الأبواب ليلا.
لم يقتنع اأحد بكل هذا الكلام عن التنظيم والمؤتمر والمجمعات الانتخابية والاختيارات الديمقراطية.. فقد انتهى كل هذا إلى جماعات من الخارجين على القانون يمارسون تنظيم الانتخابات، ولعب البلطجية واحدا من أكبر الأدوار وأوسعها فى تاريخ مصر، بما يعنى ببساطة أن السلطة التشريعية فى مصر الدولة صاحبة أحد أقدم البرلمانات يتم تشكيلها بتأثير السنجة والمولوتوف وشراء الأصوات.. ومن الصعب القول إن هذه السلطة يمكن أن يعول عليها.. لقد فاز بعض المرشحين الوزراء قبل أن يذهب أحد إلى لجان الانتخابات فى الصباح فوزًا سابقًا للتجهيز.. وحتى هؤلاء الذين كانوا يراهنون على نسبة من الاحترام اكتشفوا أنهم واهمون.. يصعب الاعتراف للحزب الوطنى بأنه انتصر هو فاز بأغلبية مقاعد البرلمان لكن بحرب غير مشروعة.
أما الأحزاب التى خاضت الانتخابات، حتى لو لم تكن فعلت هذا بصفقة، كما ردد البعض، فإنها خاضتها على أمل أن يكون لها نصيب، لكنهم خسروا بشكل قصد منه أن يكون مهينا، ليس فقط لأن الحزب الوطنى استخدم الأسلحة، لكن لأن اختيارات هذه الأحزاب لم تكن على المستوى، وبعض مرشحيها، ليسوا فقط بلا شعبية، لكن أيضًا صعدوا على مواسير خلفية، وليس على السلالم، فخسروا قبل أن يترشحوا.. وأسقطوا معهم بعض الوجوه المقبولة.
النواب الذين رفعوا أصواتهم فى المجلس السابق، سقطوا بدون أسباب منطقية.. وبعضهم أعلن الاعتزال، كأنهم كانوا يلعبون السياسة من أجل البرلمان.
الإخوان أصروا على خوض الانتخابات بدون برنامج وبناء على شعارات وأصروا على أن يبقوا صراعهم مع الحزب حول الشعارات، لم يتنازلوا عن الخلط بين السرى والعلنى، وأصروا على أن يخوضوا وحدهم بعيدا عن الآخرين، فظلت معركتهم مع الحزب الوطنى شخصية، بعيدا عن الآخرين فساهموا فى تسهيل الخسارة، ولم يفكروا فى تغيير طريقتهم.. نعم تعرض مرشحوهم للتدخل، لكنهم صوروا التدخل أنه ضدهم وحدهم ولم يفكروا فى أن يكونوا جزءًا من عمل علنى واضح.
أما دعاة المقاطعة، فقد أعلنوا أنهم حذروا مما سيحدث، وأعلنوا فرحهم بالنتائج كأنهم انتصروا مع أنهم فى الواقع انهزموا مع المنهزمين.
الكل خسر فى هذه الانتخابات، ولا فضل لأحد على آخر، وربما يعتقد الحزب الوطنى أنه انتصر بينما فى الواقع وضع قاعدة للبلطجة والمال وشراء الأصوات، وقدم برلمانا أغلبيته مدينة للسنجة،أو التدخلات الإدارية، وأعضاء لن يكون فى استطاعة أيهم أن يرفع صوته، لتتشكل سلطة التشريع من وزراء تم إنجاحهم بالقوة أو نواب احتلوا مقاعدهم بالتلاعب.
الكل خسر فى الانتخابات، والمواطن خسر فى كل الحالات..وسوف يتشكل برلمان لم ينجح فيه أحد.