أعلن "إفيجدور ليبرمان" وزير خارجية الكيان الصهيونى، أنه مستعد للتفاوض فى القرن المقبل، وهكذا أعلنت إسرائيل وفاة المفاوضات المباشرة التى لفظت أنفاسها الأخيرة تحت جنازير المدرعات والجرافات التى لم تتوقف عن هدم البيوت واقتلاع كل أشجار الزيتون الفلسطينية لبناء المستوطنات، لتكشف كل القبح عن وجه "نتانياهو" وكل التخاذل عن وجه "محمود عباس" لتسقط المفاوضات المباشرة غير مأسوف عليها من كل الفلسطينيين حتى كل الذين كانوا قد وقفوا فى صف السلطة الفلسطينية تحت قيادة "محمود عباس"، وكذلك العرب الذين اكتشفوا أنهم لم يقدموا مشروعا له قيمة لدعم "قضيتهم"، اللهم إلا ذلك المشروع اليتيم الهزيل (المشروع العربى للسلام) فقد نفقت "المرحلة الانتقالية" بعد أحد عشر عاما من "أوسلو" التى مر عليها واحد وعشرون عاما، كما مر ثلاثة وأربعون عاما على احتلال الضفة الغربية.
ولم يستطع العرب حتى دعم مشروعهم كما دعموا ملف كأس العالم لكرة القدم، لتجد "السلطة الفلسطينية" أخيرا نفسها سجينة التخاذل العربى من ناحية والغطرسة الصهيونية من ناحية أخرى، وتم قبر "حل الدولتين" إلى حين إشعار آخر، فقد ظهر بوضوح أن الكيان الصهيونى بقيادة "نتانياهو" قد ازداد إحساسه بالأمان والاستقرار مع تحسن الوضع الاقتصادى وازداد الشعور والتأكد بأن التفاوض المباشر (أو حتى غير المباشر) مع السلطة الفلسطينية بقيادة "محمود عباس" لا يضيف لهم شيئا، فها هو "محمود عباس" بعد سبع سنوات عجاف لتسلم السلطة يراه أكثر الفلسطينيين (حتى من فتح) وقد تحول إلى حليف لإسرائيل بالرغم ما فى ذلك من تجاوز فى حق رئيس السلطة التى لم تعطه إسرائيل أى شىء ليقدمه لشعبه، بالرغم من أنها قد أخذت منه كل شىء حتى ماء الوجه، واستشعر جميع الفلسطينيين بأن أمل "الدولة الفلسطينية" قد تحول إلى سراب، كما أن الأمل فى مصالحة فلسطينية/ فلسطينية قد تحول إلى كابوس مخيف، حيث تجمد موقف رئيس السلطة متحولا إلى نصب تذكارى لـ"شرعية الاحتلال".
وتحول الموقف العربى كله إلى موقف صوتى لا يستطيع تقديم أى شىء سوى الكلام فى مؤتمرات القمة ومحاولة طمأنة شعوبهم العربية (ومنهم الفلسطينيين بالطبع) بأن بركات الرئيس "أوباما" سوف تحل عليهم للوصول ببركاته وبركات الولايات المتحدة إلى "حل الدولتين" بالرغم من أن الشعب الأمريكى (والعالم كله) يرى أن الرئيس "أوباما" لم يعد هو نفسه يملك الوسائل لتطبيق سياساته فقد ظهر عجزه فى المفاوضات المباشرة الأخيرة جليا فى الضغط على إسرائيل بينما تجلت إمكانيات الإسرائيليين داخل دوائر صنع القرار فى أمريكا نفسها أكثر من مقدرة الرئيس الأمريكى نفسه الذى سرعان ما ابتلع كل الإغراءات التى قدمها لإسرائيل من أجل تجميد المستوطنات.
فكان الرئيس الأمريكى نفسه أحد العوامل المهمة (إن لم يكن هو العامل الرئيسى) فى سقوط المفاوضات المباشرة، مما يجعل مستقبل "السلطة الفلسطينية" كله فى مهب الريح من دون غطاء فلسطينى شرعى نظرا للانقسام الفلسطينى لتصبح مسألة "الدولة الفلسطينية" مسألة داخلية (فلسطينية/ فلسطينية) ولا بديل عن مصالحة فلسطينية داخلية تعيد بناء السلطة الفلسطينية على قواعد وأسس من شرعية الواقع الفلسطينى الحقيقى فيما يرى الكثيرون، أن هذه المصالحة هى المقدمة الحقيقية لـ"حل الدولتين" حتى لو تأخرت المفاوضات المباشرة للقرن القادم.