عبدالحفيظ (حفيظ) يعيش فى بولاق الدكرور منذ عشرين عاماً، فى البيت المواجه لشقيقته الوحيدة إكرام والتى تكبره بعشر سنوات، هو يعمل فى مكتب محاسبة بوسط البلد، ويكره الحزب الوطنى جداً، ربما كان أكثر شخص فى العالم يكرهه، ويتفادى رجال الأمن قدر المستطاع، ولا يتدخل فى مشاكل أبناء شقيقته الأشقياء، وربما لهذا السبب توجد جفوة مزمنة بينه وبين زوج شقيقته القهوجى الحانق، حفيظ دائماً فى حزب ما، يحمل «كارنيهه» فى جيبه، مر على التجمع والأحرار والوفد والناصرى، وكان يخرج من كل حزب ناقماً على الحياة السياسية والحزبية فى مصر، فى 2000 بدأت تتحسن أموره المالية، بسبب خبرته مع الضرائب وتسويد الإقرارات لبعض المحلات والمطاعم الصغيرة، انتقل إلى شقة أفضل فى فيصل، ولكنه لم يترك بولاق نهائياً، لأنه طوال الوقت يفكر فى خوض الانتخابات البرلمانية، وبدأ فى مد جسور الود مع المنياوية فى الدائرة، وحضور العزاءات والأفراح، يذهب كل مرة ومعه عشرة دواليب من رجاله، الذين يدفع لهم مقابل هذا، ومع هذا لم يكن مقنعاً للناس رغم أنه يمشى مزهواً فى الشارع، وينصت باهتمام للآخرين ويضع يده على كتف من يحادثه ولا ينظر فى عينيه، ودائماً يقول «إن شاء الله خير»، لم يتمكن من اللحاق بانتخابات 2005 بسبب مرض زوجته الأولى رحمها الله، والتى لم تنجب له، واكتشف أنه من الصعب أن ينجح بعيداً عن الحزب الوطنى، ومن الصعب أيضاً التفوق على رجال الحزب الراسخين فى المنطقة، ملأ استمارة لكى لا ينظر إليه كمعارض وعضو سابق فى أحزاب المعارضة، وحضر ندوات ودورات ينظمها الحزب لأعضائه، وبالغ فى كراهيته للإخوان المسلمين، هو لا يحبهم أصلاً لأنه يحب الشرب والسهر، فى 2008 فتح محلاً للألبان هدية لإكرام وراقت علاقته بزوجها، وساعد اثنين من أبنائها على الزواج، وعزمهم جميعاً على المصيف فى العريش، لكى يخطط معهم لانتخابات 2010 مبكراً، كانت المرة الأولى كما قال لهم- التى يشعر أن له عزوة وظهرا، واتفقوا على التفاصيل، واستأجروا شقتين «إيجار جديد» لاستيعاب أقارب لهم من بعيد تم زرعهم فى «المناطق»، كانت أعمال حفيظ قد توسعت، بفضل الاتجار فى الأراضى التى أوشكت على الدخول فى «كردون المدينة»، وأصبح كريماً للغاية مع الجميع، وعندما يعرف فقراء المنطقة بقدومه يذهبون، فى العيد الكبير يجلس أثناء توزيع اللحم مبتهجاً، فى رمضان يرسل «اللى فيه النصيب» ومع دخول المدارس أيضاً، وبات عنواناً للخير فى ثلاث أو أربع مناطق فى بولاق وصفط اللبن وفيصل، قدم أوراقه إلى المجمع الانتخابى وتراجع بعد أن طلبوا منه أن يترك بطاقة الرقم القومى ويتعهد بأنه لن يدخل الانتخابات إذا لم يأت به الحزب، وقرر أن يترشح كمستقل، وبدأ فى إعداد الأوراق المطلوبة، وبقيت ورقة واحدة، وهى الورقة التى تثبت أن والده (الذى مات سنة 1974وهو يزور مريضاً) يحمل الجنسية المصرية، سافر إلى المنيا عدة مرات، ذهب إلى العباسية والجوازات، ولم يتمكن من العثور على شهادة ميلاد الوالد ولا شهادة وفاته، وقبل إغلاق باب الترشح بيومين، أرسل لإكرام، وطلب أن تذهب إليه بمفردها، وحكى لها عن المؤامرة التى تحاك ضد والدهما، هى كانت مستغربة، وزاد استغرابها عندما شاهدت الدموع تنزل من عينيه! > >