أمازالت أفلام موسم عيد الأضحى هى التى تشكل الوجبة السينمائية التى يتجه إليها الجمهور فى رحلته إلى دور العرض، ورغم ثقتى بأن الإيرادات اليومية السينمائية قد انخفضت عما كانت عليه فى أيام العيدية إلا أن الأفلام الجديدة الأربعة تشهد كل يوم جمهورا إضافيا.
وفيلم ابن القنصل الذى بدأ عرضه مع بداية العيد قد لا يكون بالتأكيد هو الأعلى إيراداً ولكنه يعد حالة سينمائية وجب التوقف عندها لعدة أسباب فمؤلف العمل هو الشاعر والكاتب الأكثر إثارة للجدل والإعجاب والانتقاد أيضاً فى مجالات عديدة وهو أيمن بهجت قمر ومخرج الفيلم هو عمرو عرفة الذى ينافس نفسه بفيلم آخر فى الموسم نفسه وهو زهايمر، أما بطل العمل أحمد السقا فهو أيضاً حالة مثيرة للجدل، نجم كبواته الفنية كثيرة ورغم هذا يتمتع بحب الجمهور الذى لم يمل بعد من أخطائه.. يقدم فى هذا الفيلم دورا يتصور أنه سيبعده عن النيران الصديقة والعدوة فهو دور يحمل كوميديا ويبتعد فيه عن الأكشن الذى أتى للسقا بكثير من وجع الدماغ ويشاركه البطولة خالد صالح بعد غياب سينمائى وحضور تليفزيونى لم يكن مشرقا فى رمضان، ثم أخيراً وليس آخراً تأتى معهما غادة عادل التى غابت لمواسم عن الظهور.
إذن يشكل فيلم ابن القنصل إلى حد كبير علامة فارقة نوعاً ما فى حياة كل من شارك فيه أو على الأقل فى سجلهم الفنى الحاضر فترى ماذا فعلوا؟!
قدم لنا ابن القنصل قصة مزور عتيد يدخل السجن لسنوات وحين يخرج منه يواجه موقفا غريبا فيكتشف أن له ابنا لم يعرف عنه شيئا من قبل، وتتوالى الأحداث ليكتشف المشاهد والمزور «خالد صالح» معاً أنهما كانا ضحايا لخدعة كبرى من الابن المزعوم وفتاة الليل وكل من شاركهم فى الأحداث وينتهى الفيلم برغم هذه الخدعة نهاية سعيدة تريح كل الأطراف وربما المشاهد الذى قد يرتاح للحكمة التى تقول داين تدان ويؤكدها الفيلم بدون عنف أو دماء أو انتقام.
إذن نحن أمام قصة ذكية ملامحها كوميدية ساخرة كطبيعة كاتبها أيمن بهجت قمر ولكنها للأسف غير مكتملة.
هذه النوعية من الأفلام التى تعتمد على الخدعة أو ما يطلق عليه «بلوف» لها أسلوبان لا ثالث لهما فى السينما، فإما أن يكون الجمهور مشاركاً فى الخديعة ضد البطل ويعرف جميع تفاصيل الخداع من البداية أو أن يفاجأ الجمهور تماماً بالخديعة مثله مثل البطل المخدوع، ولكن فى فيلم ابن القنصل ابتدع المؤلف طريقة بين بين فلا هو أشرك الجمهور من البداية فى الخدعة ولا هو جعلنا كمشاهدين ننام ملء جفوننا مصدقين أن السقا هو ابن المزور فعلاً ثم نفاجأ بالحقيقة فى نهاية الفيلم، وفى الوقت نفسه أطال الجزء الأول فى الفيلم حتى اعتراه بعض الملل، وأظن أن هذه المشكلة لا تعد فقط مسؤولية الكاتب ولكن يشاركه فيها بشكل كبير المخرج وكذلك كلمة كان السقا يرددها فى ندائه لخالد صالح والمفترض أنه أبوه وكان السقا يناديه بكلمة يا والدى وترديد هذه الكلمة دائماً وضع المشاهد فى حالة دائمة من الشك لأن الأبناء عادة على اختلافهم ينادون آباهم بكلمات عديدة ولكن «يا والدى» لا يطلقها الأبناء إلا كدعابة مرة وليس بشكل دائم.
وعلى كل تعد هذه تفاصيل صغيرة ولكن من قال إن الأفلام لا تفسدها التفاصيل؟! عمرو عرفة فى هذا الفيلم كان بالتأكيد يحتاج لروح أكثر مرحاً وجرأة وإيقاعا خاصة فى النصف الأول من الفيلم. السقا فى هذا الفيلم ربما أراد أن يصالح جماهيره ويريهم وجهاً سمحاً بلا دماء أو عنف قدم أداءً مرحاً وإن شابه بعض التوتر ولكن يظل السقا بالتأكيد ممثلا يمتلك ناصية الأداء الجيد لو قاده مخرج يحب الممثل.
خالد صالح فى هذا الفيلم يمثل البراعة الخاصة فى تقمص الشخصيات أو ما يطلق عليه ممثل الكاراكتر الذى لا يتقيد بمواصفات فى الشخصية من حيث العمر أو الحالة.
غادة عادل هى بكل المقاييس مفاجأة هذا الفيلم فهى ممثلة دائماً جميلة وإن كانت تجاربها السابقة نمطية إلا حين عملت مع محمد خان فى فيلم «فى شقة مصر الجديدة» ولكنها فى ابن القنصل كشفت عن قدرة تمثيلية أخرى جبارة مما يعنى أن غادة كممثلة قادرة على الإبهار ولكنها لم تجد حتى الآن من يستطيع أن يكتب ويخرج ما لديها من مواهب وطبقات فى الأداء، فيلم ابن القنصل كان لكل من صُنَّاعه هدف خاص يسعى إليه وإن اجتمعوا على الرغبة فى النجاح بشكل عام فأصاب بعضهم وخاب قليل منهم بشكل ما ولكن بالتأكيد سعيهم مشكور ومنظور.