الناصريون فى الأزمة الحالية أمام مفترق الطرق وفى مهب ريح التشرذم والانقسام الأخير الذى لا عودة منه، وكل العقلاء من رموز التيار واقفون على حافة النهاية يشاهدون ويتفرجون على مشهد النهاية ولم يبادر أحد للتدخل للم الشمل وإنقاذ الحزب الذى ناضل وحارب من أجل إشهاره وظهوره للنور قيادات ناصرية مشهود لها بالتضحية والبذل، من أجل أن يتوحد الناصريون فى كيان سياسى شرعى يحمل أفكار وأحلام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، بوعى يدرك مستجدات ومتغيرات الزمن.
الكل يقف متفرجا فى صمت على مشهد النهاية فى 30 شارع يعقوب، حيث مقر صحيفة العربى التى تبقت من ذكرى الحزب الذى يترنح بين أمل مشهد «الدراسة» وخيبة الرجاء فى «شارع يعقوب».
فى حديقة الدراسة بالقاهرة الفاطمية وفى منتصف أبريل من عام 1992 كنا شهودا على المشهد المهيب الذى احتشد فيه أكثر من 500 ألف شخص للاحتفال بتأسيس أول حزب ناصرى بعد حكم المحكمة الإدارية العليا فى 19 أبريل 1992، بعد رفض لجنة الأحزاب التابعة لمجلس الشورى الموافقة على إصدار ترخيص لقيامه.
الكل كان هناك، الرموز التاريخية وقيادات الوسط والشباب.. مثقفون وفنانون وإعلاميون لم يتخلف أحد. المشهد كان يوحى بأن الناصريين قادمون وأن حزبهم هو الحزب القوى البديل فى الشارع السياسى المصرى بجماهير ذات قاعدة عريضة من العمال والفلاحين، وفى الشارع العربى بجماهير تنتمى للمرحلة الناصرية، وأن المحتشدين يحدوهم الأمل العريض فى التغيير المنشود.
بصوته الستينى البديع يتلو الإذاعى القدير جلال معوض بيان تأسيس الحزب ومبادئه فى تأكيد الإنسان واسترداد المكاسب التى حققتها ثورة يوليو 1952 والاتجاه نحو التقدم والتنمية الشاملة وإقامة اقتصاد وطنى مستقل، والمشاركة الجماهيرية، والتخطيط الشامل وتشجيع القطاع العام، والخاص، والقطاع التعاونى فى إطار خطة الدولة، وتحسين أوضاع المعلم، وتطوير التعليم، والعناية باللغة الوطنية وتوفير العلاج المجانى لعامة الشعب والوحدة العربية والقضية الفلسطينية.
انفض المشهد ولم يقدر أحد على حماية الحزب الحلم وبدأت خلافات الزعامة والقيادة، وانسحب الكثيرون ولم يتبق سوى من نشاهدهم الآن. فتنة «الحرس القديم» و«الجيل الجديد»« كانت حاضرة بعد ذلك. فى 30 شارع يعقوب تضاءل كل شىء وتقزم الحلم العريض وضاق المشهد حتى السواد، وأسدل الستار.
هل هى النهاية فعلا لحزب «عبدالناصر» والمصير المحتوم مثل باقى الأحزاب التى مزقتها الخلافات وقضت عليها المصالح الشخصية؟ أم مازال عقلاء وحكماء هناك سيهبون للإنقاذ ولملمة الشمل من جديد وتصحيح الأوضاع المقلوبة؟